www.tasneem-lb.net

أخلاق

أخلاق - ها هو اليـتـيم بعين الله |19|

ثقافتنا
ها هو اليـتـيم بعين الله
|19|


بعد ساعة من زوال الشمس عن كبد السماء، حتى احتضنت كل رضيعها، بيد أنني رجعت صفر اليدين، أجر ورائي أذيال اليأس والخيبة. وإذ أزمـعـت نـسـاء القبيلة عـلـى الـعـودة، الـتـفـتتُ إلـى زوجـي، قائلة: يا أبا ضمرة، عار علينا ومنقصة أن نرجع دونهن بغير رضيع، ألا يـثـيـر ذلــك فـي الـقـوم الـعـجـب الـعـجـاب، فـيـظـنـون فــيّ ويقولون: ما بال حليمة عادت بخفي حنين!؟
قال: هو كذلك، لكن هل في اليد حيلة؟ سألته: ألا نعود إلى ذاك اليتيم!؟
رد الحارث، متعاطفًا: على كل حال، لا أرى بأسًا في ذلك! 
نقبنا عن دار الرضيع بين الدور، حتى وجدناه. ثم طرقت الباب وأنا مترددة، أقدّم رجلًا، وأؤخر أخرى. فـتـحـت الــبــاب جــاريــة ضـخـمـة، فــعــرضــتُ عـلـيـهـا بـغـيـتـي ثـم بعد هنيهة لتأذن لي بالدخول. انسحبت إلى الداخل دخلت، فرأيت الموضع  نظيفًا..  أنيقا. 
لـم يــورث عـبـد الله زوجــه آمـنـة دارًا كبيرة واسعة. ارتقت حليمة سُلمَين حجريين منخفضين، ثم دخلت الغرفة الصغيرة. 
استقبلتها امرأة ممشوقة، عليها ابتسامة كانت حسنة الهندام، طلق الجبين، ردت علي تحيتي ثـم جلستُ، فقدمت إلـيّ الجارية قدحًا مـن بــارد الـشـراب. دعتني بـعـد إلـى الـرضـيـع الـنـائـم فـي المهد على صــدره، بـثـيـاب أنـصـع مـن الـلـبـن. بـدت لـي صفحته. كـانـت خـدوده مـكـتـنـزة بـالـلـحـم، وشـعـره فـاحـما كثيفا.
درتُ بـوجـهـه، فــإذا هو كالشمس البازغة في يوم داجن، وابل، وإذا بعروق قلبي تخفق في أحشائي  واحدة واحدة.. تمنيت أن أضمه إلى صدري وأقبله، لكن نفسي لم تطاوعني.
 قبلت ما بين عينيه، ثم  تساءلت: ممن كان يرتضع؟ 
أجابت المرأة بلهجة آسـرة: أرضعته أنـا في الأسبوع الأول.
 أخذته من المهد، فضممته إلى صدري.
انطلقنا إلى السوق بما أغدق علينا جد الرضيع من الدراهم  والدنانير، ثم قررنا عصرًا أن نعود إلى مضاربنا مع نسوة القبيلة. يـمـر الطريق بين مكة والطائف عبر بطاح وبضع منعطفات وسلسلة من الجبال.
الطريق الملتوي هذا  - يـا للعجب - طوته حـمـارة حليمة طي على أنـهـا هـي والــدواب لـم تعتلف بما يغنيها مـن جــوع. أثــار ذلك دهــشــة الــصــواحــب، فـتـعـالـت مـنـهـن الأصــــوات حـتـى بـلـغـت كـبـد الـسـمـاء، فهتفت إحـداهـن: ويـلـك يـا حليمة، ألـيـسـت هـذه أتـانـك الناهكة التي لم تكد تقوى على السير!؟ 
يتبع..


تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد