www.tasneem-lb.net

أخلاق

أخلاق - ها هو اليتيم بعين الله |44|

ثقافتنا
ها هو اليتيم بعين الله
|44|

 

ها هو محمد يعاوده الحنين إلى عمّه وزوجه، فيجثم على صدره سحيق الأحزان.. تذكر ليلة أمسه إذا اجترح أبا طالب الهلع مما خاف أن يتخلّى عمّه عن رأيه فيمانع رحلته. 

سيدي يدعى المكان هذا وادي الأمواه.
كان الركب قد استمر بأدراجه ثلاث ليال بين تلك الجبال.
اطلع محمد من البعير على ما حوله، ثم جاذب ميسرة القول: أجل، الرواسب أينما تكون معلم على انحدار واسع للسيول فعلينا ألا نحط هنا الرحال.
قال ميسرة بشيء من الحزم والاتزان، ونبرة لا يفارقها الرفق واللين: لكنه معبر ضيق وطويل.
مهما يكن فهذه الغيوم الداجنة التي بسطت رداءها على مكة لا تبشر بالخير. 
كان ميسرة يدري حقًا أن القيظ إذا اشتد في الصيف، وانهمرت السماء بالمطر فخطر السيول محدق، بل يتضاعف في مثل هذا الوادي فلم ير بدًّا من التأييد فقال: الأمر إليك سيدي، سمعًا وطاعة.
اذن ليس أمامنا إلّا خيار واحد، أن نستند إلى الزوابي حيث لا يعلوها السيل والرواسب.
تقوم بذلك وإن كلفنا الجهد.
أدار محمد لحظة يسرة ويمنة، وهو يمشي في ظلام الشقف الشغيف، ثم لوّح إلى الأمام حيث الشعاف والأحجار الضخمة، فقال: يا ميسرة، ما رأيك بذاك المكان؟
أجاب ميسرة، لا بأس به؛ فالصخور تلك ستكون حصنًا حصينًا للركب، اذا انحدرت السيول..
أرخى الليل على الوادي سدوله، وصمدت طخية سوداء أمام خنجر الهلال واكتسحت نوره، وأخذت الظلمات تتكاثف تحت الجبال وظلالها الوارفة.  وانهمك الرجال ببعض الأعمال.
وفي خضم ذلك كله، لمّا انفض محمد اليد من العمل، ارتقى جلمود صخرة في الشعاف، كي يسرح النظر في ألاعيب النجوم وسبحات الغيوم وسباق القمر.

ها هو الليل يسير سيرًا رفيقًا، والغيوم تتراكم، ويركب بعضها بعضًا، فيغط الوادي في ظلام دامس ممّا يحجب مصعبًا وركبه عن الأنظار. وها هم الرجال في القوافل يركنون رويدًا رويدًا إلى الرقاد.
يتبع..


تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد