www.tasneem-lb.net

أخلاق

أخلاق - هـا هو اليتيم بعين الله |64|

ثقافتنا

هـا هو اليتيم بعين الله
|64|

 

طبت ظهرا يا بن العم! 
طبت ظهرا يا أبا القاسم! 
هــذا عـلـي الـصـغـيـر وخـديـجـة - أحـــن الــنــاس عـلـيـه، وأوفــاهــم بـه - عـلـى قـيـد خـطـوات مـن غـار حــراء، ينفحانه بالتحية مستأذنين بالدخول.
خـرج إلـيـهـمـا محمد مـن الـغـار فـي هـشـة وبـشـة، رافـعـًا عقيرته بالترحيب: - طابت أوقاتكما جميعًا! رنـا محمد إلـى زوجــه، وألـقـى عـلـى عينيها الآســرة نـظـرة تقدير وثناء، ثم مسح رأس علي بحنان.
أتـت إليه خديجة بـصـرّة كبيرة، وجـاء علي بجرة طافحة بالماء بينما نــال منهما الإعــيــاء؛ فـراحـت حـبـات الـعـرق تـنـضـح مـن وجهها الــعــريــض وسـحـنـة عــلــي الــســمــراء، وإن اشــتــدت مــوجــة الــبــرد مع الخريف. 
انبهرت من خديجة الأنفاس، فتمهلت قليلًا قبل أن تبلغ الغار؛ علّها تتنفس الصعداء.. لكن علي تمثل بين يـدي ابـن عمه الحبيب، ّغـضًّـا، مـوفـور النشاط، لا يشوبه الإعياء، كأنه أراد - بعينه المشرقة النجلاء التي أضفى عليها شكلها اللوزي مسحة من الجمال اللاذع - أراد أن يقول: أبي، ابن عمي، يا لسروري بلقائك!
 قطع علي وخديجة على ظهر الجمال مسافة الفرسخين بين مكة وسـفـوح حــراء، ثـم تسلقا الجلاميد القاسية الـسـود فـي نصف ساعة، وذلك ليزودا محمدًا بالماء والطعام. 
كـان دأب محمد أن يعود بنفسه إلـى مكة ليتزود الطعام إذ شـارف على الانـتـهـاء زاده، مـن يـابـس الخبز وزيـت الـزيـتـون والـمـاء. وقد عهد إلى زوجه الوفية مرات ومرات ألا تجهد نفسها في الخروج إلى الجبل، لكنها أبت ورفضت.
دخل أبو القاسم الغار، ووضع فيه الطعام والماء، فخرج يحمل عباءته؛ ليبسطها على متن صفوان ويدعو عليا وخديجة للجلوس ويتخذ هو بينهما مستقره في اتجاه الكعبة!
ما أحب الاثنين إليه، وما أحبه إليهما. 
لفهم جميعًا صمت محمد المتأمل، فلم يخوضوا في حديث الـحـب بـل اسـتـغـنـوا بـمـا كـانـت تـشـي بـه الأحـــداق، واكـتـفـوا بــأمــواج الحب الجارفة في الأطواء. أتــــدري، يــا أبــا الــقــاســم، كــم أتــحــرق إلــيــك شـــوقــًـا! كـيـف طاوعتك نفسك الانصراف، أم كيف حملتني شهرًا النوى والفراق، مـا بـالـك بـعـد الـشـقـة، تحرمني عـذب الـلـقـاء؟ صـدقـنـي يا أبا القاسم ، لو لم تكن في حاجة إلى الـزاد، لكنت أبتغي وسيلة ما لأهفو إليك وراء قلبي المرفرف.
أبـي، ابن عمي، يا أحنّ علي من والـدي أنت أحب إلي من جـمـيـع أهـلـي، إخـوتـي، صـحـبـي، حـتـى أبــي. آه.. لـيـتـك لا تفارقني أبدًا..»
أجل، أجل.. أنا أعرف ذاك حقًّا وأنتما على يقين من شغفي بكما، 
راح محمد يستفسر خديجة عن أخبارها، ويتسقط أنباء مكة،  بينما ضم إليه كاهل علي، محتضنًا. 
يتبع..


تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد