www.tasneem-lb.net

أخلاق

أخلاق - هـا هو اليتيم بعين الله |65|

ثقافتنا
هـا هو اليتيم بعين الله
|65|

 

ها هما محمد وعلي واحــد، إثـر عـشـرة دامــت أربـعـة أعــوام. كـانـا يـذهـبـان مـعـًا فـي مكة، ويأنس علي في طرقاتها بحديث محمد.
"وضعني ابـن عمي في حجره، يضمني إلـى صـدره، وَيكنفني فـي فــراشــه ويشـمـنـي عــرفــه. ولـقـد كـنـت أتـبـعـه اتـبـاع الـفـصـيـل أثـر أمه". كــان مـحـمـد يـفـكّـر فـي الأعـــوام الأربـــع الـتـي قـضـاهـا مـع عـلـي، ويـشـكـر الله فـي قـلـبـه عـلـى مـا أنـعـم. فـلـولا مـا أصـابـت قـريـشـًا من أزمة القحط والجدب الشديد، لما كان يأنس إلى ابن عمه الصغير الحبيب أنسه الغريب، ثم إنه ما كان يتمكن من أداء ما عليه لعمه من الدين والحق.
 «كان محمد يعين القريب والغريب، وفي سنة الجدب تلك، جدّ جده ليجد سبيلاً إلى إعانة أبي طالب، فجاءني ذات يوم، وأنا فـي الـحـرم، فـقـال: يـا عــم، إن أخــاك أبــا طـالـب كثير الـعـيـال، صفر اليدين، وقد أصـاب الناس ما تـرى، فكل في حيرة من أمـره، ثم إنه - كما تعرف - يأنف المسألة، ويتعفف عنها، ونحن الآن أيسر بني هاشم  إذ وسع الله علي وعليك رزقه، فهل لك أن ننطلق إليه حتى نخفف عنه من عياله؟ 
قلت: حسنا! فرُحنا من فورنا إلى أبي طالب، وتلطفنا في القول خشية أن يضيق صـدرًا بالاقتراح تمهل أخي قليلاً، إذ فاتحناه في الأمـر ثم.. قال: إليكما حتى ينقضي الجدب! 
قلت: كما تشاء! 
قـال: يا عباس، خـذوا من تـريـدون منهم إلا عقيلًا؛ فأنا - كما تعلم – لا أطيق فراقه. 
قلت: كما تريد! 
فضم أبو القاسم إليه عليًّا وضممت إلي جعفرًا،..
همّ محمد أن يخرق الصمت؛ فالتفت إلى علي يداعبه: هل صارعت الصغار في غيابي؟ 
رد ببسمة يشوبها الخجل والحياء: لا. 

مسح أبو القاسم رأس علي في حنو ثم توجه إلى خديجة بالسؤال: كيف حال الصغار؟
- بخير، إلاّ أنهم في شوق إلى الوالد. 
سأل عن حال زيد وبركة، وميسرة وزوجـه، فأخبرته أن الجميع في عافية ويسألون عنه. 
- وابن عمك، ورقة؟
- ليس على ما يرام. 
- مريض؟
 - لا، لقد بـات فـي كآبة وحـزن عميق، بعد أن نـال منه العمى واستعصى عليه التحنث في الشعاف، ثم إنه لا يزال يستشعر فقد زيد الفادح..
 آثــرت خـديـجـة الـقـيـام - وهــي عـلـى عـهـد بـحـالـه هــذه - كـي لا تفسد عليه عزلته التي طالما سور بها نفسه في مثل هذه الساعات. أمـــا عــلــي، فـقـد انـطـلـق صــوب الــغــار لـيـأتـي بــالــجــرة الـخـالـيـة والخوان. ثم أذعن هو وخديجة للانحدار بعد توديع قصير، بينما ظلّ محمد منتصبا أمامهما، ثابتا فـي مكانه، إلا أن وليد نسمة راحـت تحبو إليه؛ لتداعب منه الجدائل الفاحمة الضافية.
يتبع..


تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد