www.tasneem-lb.net

عاشوراء

عاشوراء - مصارع الكرام |5|

مصارع الكرام 
|5|

أحلى من العسل

كان غشاء النور الكثيف يمنعه من إمعان النظر، فتح عينيه بتثاقلٍ شديد ولمح طيف وجه أبيه الحليم، فقام سريعاً وسوّى جِلسته.
نسي جروحه وآلام جوارحه، نسي ظمأه ويباس أحشائه، نسي كل شيءٍ حتى شوقه لوالده وطول انتظاره.
وقبل أن يفكر بالذي حدث، صرخ بلهفة: "قم يا سيدي والْحق أخاك قبل أن يقتلوه"!

ثم استدرك أنه الآن في عالمٍ آخر.. عالمٌ سأله عنه عمه الحسين في لحظة اسوداد الدنيا من حوله واقتراب مأساة الذبح الأليمة، فأجاب بثقة العالم العارف: "أحلى من العسل".

هل حقاً يرى القاسمُ الموتَ جميلاً ولذيذاً إلى هذا الحد؟
أم أنها مجرد بلاغةٍ عوّدَنا عليها عظماء ذلك الزمن؟

ولماذا لا يكون جميلًا؟
وبالموت يُرفَع عن الإنسان غطاؤه، ويرتفع درجات في معرفة الله وتجليه في وجوده.
بالموت تُكشف الحقائق المحجوبة، وتنتهي حواجز الشهوات، وتزول موانع النفس الأمّارة بالسوء.

إن كانت تدهشنا هذه النظرة إلى الموت، فلنتذكر أمرين:
▪ ️أولاً: نحن نكره الموت ونخافه لأنه يمنعنا عن الاستغراق في متع الحياة الدنيا، من دون أي سببٍ آخر!
▪ ️ثانياً: في مدرسة أهل البيت عليهم السلام، الإنسان المنجذب لله ولعشقه ومعرفته، لا وقت ولا مكان ولا مجال عنده للإلتفات إلى متع الدنيا ونزواتها!

وفي هذه الحالة تنقلب الموازين في نفسه، فتصبح دنيا المادة والشهوات مكان سجنه وغربته.. ويكون الموت والعروج إلى محبوبه غايته وكل أمانيه.

إلا أن الجميل في هذا الحديث كله، أنّ فتىً يافعاً كالقاسم ابن الحسن يفهم ويعي ويدرك هذه المفاهيم العرفانية العميقة ويتكلّم بها ويعكسها كذلك في أفعاله ومواقفه أيًّا تكن الظروف وأيًّا تكن الفجيعة.


تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد