السيدة فاطمة (ع) - المشكاة هي فاطمة |2|
ديننا
المشكاة هي فاطمة
|2|
أراد الله تعالى أن يعرّفنا بنوره هذا بواسطة تقديم تشبيهيّ في أروع قالب بلاغيّ إعجازيّ، فقال عزّ وجلّ: ﴿مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَار﴾ النور/35.
تفسير آية النّور
1 . المشكاة هي الكوَّة التي تكون في الحائط بلا منفذ، فمثل نور الله عزّ وجلّ كمشكاة في داخلها سراج، وهذا السراج موضوع في زجاجة؛ لأنّ الزّجاجة تزيد من نوره وإشعاعه أكثر، ومن الواضح أنّ نوعيّة الزّجاجة وصفاءها تلعب دوراً مهمّاً في مستوى انعكاس الإضاءة والنّور المنبعث، من هنا بيّن الله تعالى النّوعيّة العجيبة لهذه الزّجاجة بحيث وصفها وكأنّها كوكبٌ من درّ، والذي هو بطبيعته صافٍ جداً إضافةً إلى جماله وحسنه.
ولمقاربة هذا التوصيف: لنتصوّر القمر الذي له إضاءة عالية جميلة هادية مؤنسة مع أنّه حجر مظلم كثيف معتم في نفسه، فكيف لو كان القمر مكوّنًا من درّ! ترى كيف تكون إنارته وضوؤه وإشعاعه. إنّ الزجاجة التي تحضنها المشكاة وتحيط بالمصباح هي زجاجة نقيّة صافية كأنّها كوكب دريّ.
ومن الواضح أيضاً أنّ الوقود له دور كبير في صفاء النّور ومستوى انبعاثه واستمراره، لذا كان حديث الله عزّ وجلّ عن وقود المصباح، وبأنّه يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ. إنّها شجرة كثيرة البركة في جمالها ومنافعها من حيث الزّيتون إلى الزّيت إلى النّواة وغير ذلك، وهذه الشّجرة (الزّيتونة) التي يستسقي منها المصباح وقوده متميّزة من ناحية نورها، فالزّيتونة التي نعهدها في أراضينا نلاحظ أنّها حينما تشرق الشمس عليها يتوهّج قسمها الشرقيّ بخلاف قسمها الغربيّ، وأثناء انتقال الشمس إلى الغروب يتوهّج قسمها الغربيّ بخلاف قسمها الشرقيّ، أمّا الشّجرة الزّيتونة المباركة في آية النّور فهي زيتونة " لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ"، فهي دائماً متوهّجة بنورها دون أن يقع عليها ظلّ شرق أو ظلّ غرب. وإضافةً إلى ذلك، فإنّ الضياء ينبعث عادة من النّار التي تأخذ وقودها من الزّيت، إلا أنّ زيت هذه الشّجرة من صفائه ونقائه وشفافيّته يكاد يضيء "وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ".
فالمصباح نور، والزجاجة نور، والشّجرة نور، والزّيت نور، وهي نورٌ على نور.
تأويل آية النّور
وتُتابع الآية الكريمة ﴿يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاء وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ .
إنّه تصريح بأنّ كلّ ما ذُكر هو تمثيل لحقائق أراد الله عزّ وجلّ أن نعرفها، ونهتدي إليها.
فما المراد بتلك الأنوار التي ضرب الله تعالى بها مثلاً؟
وما المراد بالمصباح،والزّجاجة، والشّجرة الزّيتونة؟
وما المراد بالمشكاة التي صدّر الله بها التمثيل بالنّور، والتي هي منطلق النّور ومركز إشعاعه؟
(الشيخ اكرم بركات/موقع سراج القائم).
يتبع..