السيدة فاطمة (ع)
العابدة الأولى
روافد العظمة الفاطمية
العابدة الأولى
"فاطمة الزهراء" عليها السلام كلمة الله الزاخرة بالمضامين... هي كالبحراللجّي العميق. كلما غار فكر الإنسان وذوقه وكلما تدبّر وتأمل أكثر، كلما حصل على جواهر أكثر...
نعم، إنّ فاطمة فجر ساطع انبلجت من جنبة شمس الإمامة والولاية والنبوّة، وهي سماء عُليا ضمّت بين جوانحها كواكب الولاية الوضّاءة.
شخصية عظيمة من المرتبة الأولى في الإسلام، بل من المرتبة الأسمى على مدى التاريخ، كما نُقل عن رسول اللّه صلى الله عليه وآله أنه قال لها: أما ترضين أن تكوني سيّدة نساء العالمين، قالت: فأين مريم بنت عمران؟ قال لها: أي بنية تلك سيدة نساء عالمها وأنت سيدة نساء عالمك.
(بحار الأنوار ج39، ص: 278)
ولو توضّحت شخصية فاطمة الزهراء عليها السلام لأذهاننا البسيطة وأنظارنا التي لا تبصر إلّا القريب، لآمنّا نحن أيضاً أنها (عليها السلام) سيّدة نساء العالم أجمعين.
إنّها المرأة التي بلغت في عمرها القصير مراتب معنوية وعلمية توازي مراتب الأنبياء والأولياء.
فقد جمعت -عليها السلام- بينَ صفتين: المخفيةِ قبراً، والمجهولة قدراً..هذهِ السيدة جاءت إلى هذهِ الدنيا وذهبت، ولم يُعرف قدرها حقَ المعرفة.. فقط الذين عرفوها هم: أبوها، وبعلها، وبنوها.. ولهذا لا نستغرب أن الأئمة من ولدها، كانوا يبكون عندما يتذكرون جدتهم فاطمة، رغم السنوات الطويلة التي تفصلهم عنها.. ومن محطات زيارة الإمام المهدي وبكائه -عليه السلام- في هذهِ الغيبة الطويلة، زيارتهِ قَبر أمهِ فاطمة، فهو يعلم أينَ هذا القبر!.. ولا مانعَ من أن نقول: بأن لهُ بأمهِ فاطمة قدوة وأسوة!.. ففاطمة -عليها السلام- دافعت عن الإمامة، وكذلك الإمام الحجة-عليهِ السلام- هذهِ هي وظيفته.
أول صفة تلفت النظر في حياة الزهراء -عليها السلام- كإنسانةٍ كاملة، هي الجمعُبينَ التكاليف.. نحنُ مشكلتنا أننا نجعل لكُلِ شيءٍ ملفاً: فعندما نعمل، ننسى العبادة.. وعندما نتعبد، ننسى العمل.. وكأنّ الإنسان ينتقل من حقل إلى حقل؛ وهذا خطأ كبير!.. فالمؤمن يعيش كُلّ الحقول في آنٍ واحد!.. فالزهراء -عليها السلام- كان لها وظائف عبادية: فقيامُ الليل لفاطمة -عليها السلام- كقيام أبيها -صلى الله عليه وآله وسلم-، وكقيام أمير المؤمنين -عليه السلام-؛ كانت تمضي ساعات من العبادة الليلية.. ولها أيضاً نوافلها اليومية، وصلواتها، وصومها المستحب.. وأمّا سيرتها في المنزل: يحدثنا عنها أمير المؤمنين (عليه السلام): (..إنها استقت بالقربة حتى أثرت في صدرها، وجرّت بالرّحى حتى مجلت يداها، وكسحت البيت حتى اغبرّت ثيابها، وأوقدت تحت القدر حتى دكنت ثيابها..)
بحار الأنوار ج42 ص82
لم يكن الأمر سهلاً على هذه السيدة، التي كانت في عمر الزهور، كانت تقوم بأعمال المنزل، وكانت في خدمة أمير المؤمنين كزوجة مثالية..
فالأسرة الأولى المثالية من خِلقة آدم -عليه السلام- إلى قيام الساعة، هي أسرة عليّ وفاطمة.. هكذا كان حالها -عليها السلام- فقد جمعت بين عمل النهار المتعب، وبين العبادة..
تلكَ هي سيدة نساء العالمين، العابدة الأولى في تأريخ البشرية في صنف النساء!..وليكن لنا فيها أسوة وقدوة...