رسول الله محمد صلى الله عليه وآله وسلّم
|4|
النعمة الإلهية
وفي موضع آخر يخاطب الله نبيّه بقوله سبحانه: فاصبر لحكم ربّك ولا تكن كصاحب الحوت أي لا تكن كيونس الذي ترك الصبر فوقع في المشاكل ولاقى أنواع الإرهاق.
وشرح الصدر يقابله "ضيق الصدر"، كما في قوله تعالى: ولقد نعلم أنّك يضيق صدرك بما يقولون .
ولا يمكن أساساً لقائد كبير أن يجابه العقبات دون سعة صدر.
ومن كانت رسالته أعظم (كرسالة النّبي الأكرم) كانت الضرورة لشرح صدره أكبر،... كي لا تزعزعه العواصف ولا تثني عزمه الصعاب ولا تبعث في نفسه اليأس مكائد الأعداء، ولا يضيق بالملتوي من الأسئلة.
وهذه كانت أعظم هبة إلهية لرسول ربّ العالمين.
لذلك روي عنه (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنّه قال: لقد سألت ربّي مسألة وددت أنّي لم أسأله.
قلت: أي ربّ إنّه قد كان أنبياء قبلي منهم من سخرت له الريح ومنهم من كان يحي الموتى.
قال، فقال: ألم أجدك يتيماً فآويتك؟ قال: قلت: بلى.
قال: ألم أجدك ضالاً فهديتك؟ قال: قلت: بلى أي ربّ، قال: ألم أشرح لك صدرك ووضعت عنك وزرك؟ قال: قلت: بلى أي ربّ - ميزان الحكمة-ج٢٠.
وهذا يعني أنّ نعمة شرح الصدر تفوق معاجز الأنبياء.
والمتمعّن في دراسة حياة الرّسول (صلى الله عليه وآله وسلّم)، وما فيها من مظاهر تدل على شرح عظيم لصدره تجاه الصعاب والمشاق يدرك بما لا يقبل الشك أن الأمر لم يتأت لرسول الله بشكل عادي، بل إنّه حتماً تأييد إلهي ربّاني.
وقيل أنّ شرح الصدر إشارة لحادثة واجهت الرّسول في طفولته حين نزلت عليه الملائكة فشقّت صدره وأخرجت قلبه وغسلته، وملأته علماً وحكمة ورأفة ورحمة.
المقصود طبعاً من القلب في هذه الرّواية ليس القلب الجسماني، بل إنّه كناية وإشارة إلى الإمداد الإلهي من الجانب الروحي، وإلى تقوية إرادة النّبي وتطهيره من كل نقص خلقي ووسوسة شيطانية.
وبسعة الصدر هذه اجتاز الرسول (صلى الله عليه وآله وسلّم) العقبات والحواجز والصعاب على أفضل وجه، وأدّى رسالته خير أداء.
المصدر تفسير الأمثل- للشيرازي.