أميري علي (ع)- علي ولي الله
علي ولي الله
هذه الآية الشريفة ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ﴾ نزلت في أمير المؤمنين عليه السلام . تُفسَر الآية: إنّ من بين الناس هناك من يبيع نفسه ووجوده، أي أعزّ ما عند الإنسان، هذا الرأسمال العزيز الوحيد الّذي لا يمكن جبرانه، فبعض يقدّم هذا الرأسمال وهذا الموجود دفعةً واحدة من أجل الحصول على رضا الله لا غير، ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي﴾ يعني يبيع، يقدّم، نفسه يعني وجوده، ﴿ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ﴾ أي أنّه لا يوجد مقصد دنيويّ أو نزعة أو دافعٍ ذاتيّ، إنّما فقط وفقط الحصول على رضا الله. وفي مقابل مثل هذا الإيثار وهذه التضحية، فإنّ الله لا يمكن أن يكون دون ردّ فعل يناسبها، ﴿وَاللّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ﴾ .
الناظر إلى تاريخ حياة أمير المؤمنين عليه السلام، منذ ذلك الوقت الّذي كان فيه في سنّ التاسعة أو الحادية عشرة، يرى أنه كان قد آمن بنبوّة الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) وأدرك الحقيقة بوعيٍ تامّ وتمسّك بها، ومنذ تلك اللحظة وإلى حين لحظة محراب العبادة، سحر يوم التاسع عشر من شهر رمضان، قدّم نفسه في سبيل الله فرحاً مسروراً مليئاً بالشوق إلى لقاء ربّه. طوال هذه السنوات الخمسين تقريباً يُرى أنّ هناك خطّاً واحداً مستمرّاً يشرح ويبيّن حياة أمير المؤمنين عليه السلام ، وهو خطّ الإيثار. وهذا في الحقيقة درسٌ وعبرةٌ لنا. ونحن الّذين نتحدّث عنه ونبحث عنه ونُعرف في العالم بمحبّته يجب أن نأخذ هذا الدرس منه عليه السلام، ومجرّد الحبّ لا يكفي، ومجرّد معرفة فضيلة عليّ لا تكفي.
وكان امتياز عليّ في أنّه لم يقع في سجن الذات. لم تكن الأنا مطروحةً أمامه أبداً، بل كلّ ما كان عنده هو التكليف والهدف والجهاد في سبيل الله والله.
منذ البداية حينما آمن أمير المؤمنين (عليه السلام) في أيّام طفولته بالنبيّ كان يتعرّض للأذى والسخرية من الجميع في مكّة. ولكي يدافع المرء عن هذا الإنسان وعن هذه الرسالة بكلّ وجوده ويتمسّك به ويتّبعه، هذا بحدّ ذاته يتطلّب الإيثار وتجاوز الأنا.
وقف عليّ بن أبي طالب عليه السلام لمدّة 13 سنة إلى جانب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في أصعب المَواطن. صحيحٌ أنّ هجرة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم كانت اضطرارية وتحت الضغط المتواصل لقريش وأهل مكّة، لكنّها كانت ذات مستقبلٍ مشرق، لأن الجميع كان على علم أنّ هذه الهجرة هي مقدّمة التوفيقات والانتصارات. وهناك حينما تتجاوز أيّة نهضةٍ مرحلة المحنة لتدخل في مرحلة الراحة والعزّة، هناك حينما يكون الجميع منشغلاً بحسب العادة لكي يوصلوا أنفسهم أسرع من غيرهم علّهم يأخذون من المناصب الاجتماعية شيئاً وينالون موقعيةً، في تلك اللحظة، وفي تلك الليلة المظلمة الحالكة، كان أمير المؤمنين عليه السلام مستعدّاً لأن ينام مكان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في فراشه. في تلك الليلة، كان مقتل من ينام في ذاك الفراش أمراً شبه قطعيّ ومسلّماً به. فمن هو الحاضر المستعدّ؟ هذا هو إيثار أمير المؤمنين عليه السلام الّذي يُعدّ بذاته حادثةً استثنائية من حيث الأهمية. لكنّ توقيت هذا الإيثار يزيد على أهميّته.
بعدها يأتي إلى المدينة وتبدأ المعارك والقتال المتواصل لحكومة النبيّ الفتيّة. فالمعارك والحروب كانت دائمة. وفي كلّ هذه المراحل، كان أمير المؤمنين عليه السلام حاضراً ليكون أوّل من يتصدّى وأكثر الناس تضحيةً وفداءً واستعداداً للموت بين يديّ النبيّ (صلى الله عليه وآله).
مقتبس من كلام للإمام الخامنئي دام ظله