عقيدة - النموذج الأسمى |10|
الإنسان الأسمى
سيرة وسلوك ومنطق عملي ثابت
|10|
هل يمكن للإنسان المؤمن أن يكون له مسلكًا ثابتًا قولًا وفعلًا مهما واجهته المصاعب وعصفت به البلاءات وتغيرت من حوله الظروف والنفوس؟
كانت لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) سيرة وسلوك ومنطق عملي ، وأن علينا نحن المسلمين أن نتعرف إلى مسيرته ومنطقه العملي لكي نتمسك طوال العمر بمنطق ثابت له أساس مدعوم.
هذا السلوك الذي تربى عليه أمير المؤمنين (عليه السلام) بحيث أن الأموال الطائلة لم تؤثر في نفسه أي أثر.
وكذلك لم تغيّر شيئًا في سلمان الفارسي الذي ربّاه الإسلام لكي لا يلتفت إلى متاع الدنيا.
وكذلك أبا ذر الذي لم يفلح غلام عثمان بإقناعه بقبول مال عثمان الذي وعده أن يعتقه فقال له: (إنني بقبول هذا المال، تنال أنت حريتك وأقع أنا في قيد عبودية عثمان).
الموضوع الرئيسي في السيرة النبوية الشريفة هو أن الإسلام يرى أن الإنسان على درجة من قوة الفطرة والبنية بحيث أنه قادر كما في المنطق النظري على أن يتابع منطقًا حديديًا غير قابل للتغيير وأنه في المنطق العملي قادر على أن يصل إلى حيث لا تستطيع قوة أن تزعزعه فيكون كالجبل الراسخ لا تحركه العواصف.
إذ أنه يوجد فريق من الناس لا يواكب الإيمان بالله إلا ما دامت مصالحهم به مقضية، فإن أصيبت بضرر انقلبوا راجعين. كما قال تعالى في كتابه: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَىٰ حَرْفٍ ۖ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ ۖ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَىٰ وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ) الحج:١١.
إن أصالة الاسلام تقوم على كون الإنسان يستطيع أن يكون زاهداً بحيث إذا أخذ منه كل ما لديه لا يحزن عليه وإن أقبلت عليه الدنيا بكليتها لا يفرح بذلك كما قال أمير المؤمنين (عليه السلام): الزهد في كلمتين في القرآن الكريم: (لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم).
وأيضاً الذين تربوا التربية الإسلامية واخذوا المبادىء الأصيلة في السيرة النبوية التي تلغي كل الأوهام والأباطيل، ولا تتجاوز حدود العدل بحيث أنها تعتبر أن لكل شيء ميزانًا وحدًا يجب عدم تجاوزه.
ومن مبادىء الإسلام عدم لوي الأعناق والاسترحام أمام قوة أعداء الدين، فما دام هناك عدو فإن مبدأ إعداد القوة قائماً كما قال تعالى: (وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ) الانفال :٦٠.
سلوك النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) كان سلوك الطبيب المداوي لمرضى الأخلاق، الطبيب السيّار لا الطبيب القابع في عيادته، فكان يستعمل أساليب العلاج حسب ما تقتضيه الظروف، فثمة ظرف يقتضي الملاينة والرفق، وثمة ظرف يستوجب الحزم والشدة وكان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يستعمل كلًا في موضعه ووقته.
يتبع..
الإنسان الكامل / الشهيد مطهري / بتصرف.