قرآن - سورة النور 35
نسائم قرآنية
قال تعالى: {ٱللَّهُ نُورُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ ۚ } سورة النور 35.
ما أحلى هذه الجملة! وما أثمنها من كلمات! أجل إنّ الله نور السماوات والأرض.. النور الذي يغمر كل شئ ويضيئه. وإذا أردنا تشبيه الذّات المقدّسة لربّ العالمين (رغم منزلته العظيمة التي لا نظير لها ولا شبيه) فلا نجد خيرًا من النّور؟! الله الذي خلق كل شئ في عالم الوجود ونوره، فأحيا المخلوقات الحيّة ببركته، ورزقها من فضله، ولو انقطعت رحمته عنها لحظة، لأصبح الجميع في ظلمات الفناء والعدم.
ومما يلفت النظر أن كل مخلوق يرتبط بالله بمقدار معين يكتسب من النور بنفس ذلك المقدار:
-القرآن نور لأنه كلام الله.
-والدين الإسلامي نور لأنه دينه.
-الأنبياء أنوار لأنهم رسله.
-والأئمة المعصومون (عليهم السلام) أنوار إلهية، لأنهم حفظة دينه بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).
-والإيمان نور، لأنه رمز الالتحام به سبحانه وتعالى.
-والعلم نور، لأنه السبيل إلى معرفته - عز وجل -.
ولهذا: اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ.
قال تعالى ﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ ۖ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ ۖ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ ۚ نُّورٌ عَلَىٰ نُورٍ ۗ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ ۗ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ النور: 35.
إن نور الإيمان الموجود في قلوب المؤمنين يحتوي على العناصر الأربعة المتوفرة في المصباح المضئ، هي: "المصباح" وهو شعلة الإيمان في قلب المؤمن يضئ طريق الهداية.
و "الزجاجة" هي قلب المؤمن ينظم الإيمان في ذاته ويحفظه من كل سوء.
و "المشكاة" صدر المؤمن، أو بعبارة أخرى: شخصيته بما فيها وعيه وعلمه وفكره الذي يصون إيمانه من الأعاصير والأخطار.
"شجرة مباركة زيتونة" هي الوحي الإلهي الذي يكون بمنتهى الصفاء والطّهارة وتوقد شعلة إيمان المؤمنين - في الحقيقة - من نور الله الذي ينير السماوات والأرض وقد أشرق من قلوب المؤمنين، فأضاء وجودهم ونور وجوههم.
فتراهم يمزجون الأدلة العقلائية بنور الوحي، فيكون مصداق "نور على نور".
ولهذا ترى القلوب المستعدّة لاستقبال النّور الإلهي تهتدي، وهي المقصودة بعبارة يهدي الله لنوره من يشاء وعلى هذا فإن المحافظة على النور الإلهي (نور الهداية والإيمان) يستوجب توفّر مجموعة من المعارف والعلوم والوعي والأخلاق وبناء الذّات، من أجل أن تكون كالمشكاة تحفظ هذا المصباح.
كما تحتاج إلى قلب مستعد لينظم هذا النور الإلهي، كما تنظم الزجاجة شعلة المصباح.
وتحتاج إلى مدد من الوحي، ليمنحها طاقة مثلما تمنحها الشجرة التي سماها القرآن بعبارة شجرة مباركة زيتونة.
وتجب المحافظة على نور الوحي من التلوث، والميول المادية، والانحراف إلى الشّرق أو الغرب الّذي يؤدّي إلى التّفسّخ والاندثار.