قرآننا
قال تعالى {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُم يَحْزَنُونَ (170) ۞ يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ (171)} [ آل عمران].
التفسير – الجزء الثاني
ثم يقول سبحانه معقّبًا على العبارة السّابقة بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ.
والمقصود من الحياة في الآية هي " الحياة البرزخية " في عالم ما بعد الموت، لا الحياة الجسمانية والمادّية، وإن لم تختص الحياة البرزخية بالشّهداء فللكثير من النّاس حياة برزخية أيضًا ولكن حيث أنّ حياة الشّهداء من النّمط الرّفيع جدًا، ومن النّحو المقرون بأنواع النّعم المعنوية، هذا مضافًا إلى أنّها هي محطّ البحث والحديث في هذا السّياق القرآني لذلك خُصوا بالذّكر وخصّت حياتهم بالإشارة في هذه الآية، دون سواهم ودون غيرها أيضًا.
إنّ حياتهم البرزخية محفوفة بالنّعم والمواهب المعنوية العظيمة وكأنّ حياة الآخرين من البرزخيين بما فيها لا تكاد تكون شيئًا يذكر بالنّسبة إليها.
ثم إن الآية التالية تشير إلى بعض مزايا حياة الشّهداء البرزخية، وما يكتنفها ويلازمها من عظيم البركات من خلال الإشارة إلى عظيم ابتهاجهم بما أوتوا هناك فتقول: فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ
ثم إنّ السّبب الآخر لابتهاجهم ومسرّتهم هو ما يجدونه ويلقونه من عظيم الثّواب ورفيع الدّرجات الذي ينتظر إخوانهم المجاهدين الّذين لم ينالوا شرف الشّهادة في المعركة إذ يقول القرآن: وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ
ثم يردف هذا بقوله: أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ
يعني أنّ الشّهداء يحسّون هناك وفي ضوء ما يرونه أنّ إخوانهم المجاهدين لن يكون عليهم أي خوف ممّا تركوه في الدّنيا، ولا أي حزن من الآخرة ووقائعها الرّهيبة.
على أنّه من الممكن أن يكون لهذه العبارة تفسير آخر هو أنّ الشّهداء بالإضافة إلى سرورهم وفرحهم لما يشاهدونه من الدّرجات والمراتب الرّفيعة لإخوانهم الّذين لم ينالوا شرف الشّهادة ولم يلحقوا بهم، لا يشعرون هم أنفسهم بأي خوف من المستقبل ولا أي حزن من الماضي .
ثم إنّه سبحانه يقول: يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ .
وهذه الآية - في الحقيقة - مزيد من التأكيد والتوضيح حول البشائر الّتي يتلقّاها الشّهداء بعد قتلهم
واستشهادهم، فهم فرحون ومسرورون من ناحيتين:
-الأولى: من جهة النّعم والمواهب الإلهية التي يتلقونها، لا بها فقط بل لما يتلقّونه من الفضل الإلهي الذي هو التّصعيد المتزايد المستمر للنّعم الذي يشمل الشّهداء أيضًا.
-والثانية: من جهة أنّهم يرون أنّ الله سبحانه وتعالى لا يضيع أجر المؤمنين...
لا أجر الشّهداء الّذين نالوا شرف الشّهادة، ولا أجر المجاهدين الصّادقين الّذين لم ينالوا ذلك الشّرف رغم اشتراكهم في المعركة: وأنّ الله لا يضيع أجر المؤمنين أجل، إنّهم يرون بأمّ أعينهم ما كانوا يوعدون به ويسمعون بآذانهم، إنّها فرحة مضاعفة.