قرآننا
سورة يس
|8|
"وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا"
تتناول وصفا آخر لحالة تلك المجموعة، وتمثيلاً ناطقاً عن عوامل وأسباب عدم تقبّلهم الحقائق فتقول:
وحوصروا بين هذين السدّين وأمسوا لا يملكون طريقاً لا إلى الأمام ولا إلى الوراء، آنئذ فأغشيناهم فهم لا يبصرون.
ويا له من تشبيه رائع!! فهم من جهة كالأسرى في الأغلال والسلاسل، ومن جهة أخرى فإن حلقة الغل عريضة بحيث أنها ترفع رؤوسهم إلى السماء، وتمنعهم من أن يبصروا شيئا مما حولهم، ومن جهة ثالثة فهم محاصرون بين سدود من أمامهم وخلفهم وممنوعون من سلوك طريقهم إلى الأمام أو إلى الخلف. ومن جهة رابعة فهم لا يبصرون إذ فقدت عيونهم كل قدرة على الإبصار.
تأملوا مليا ماذا ينتظر ممن هو على تلك الحال؟ ما هو مقدار إدراكه للحقائق؟
ماذا يمكنه أن يبصر؟ وكيف يمكنه أن ينقل خطاه؟ فكذلك حال المستكبرين المعاندين العمي الصم في قبال الحقائق!
لهذا فإنه تعالى يقول في آخر آية من هذه المجموعة
وسواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون. فمهما كان حديثك نافذاً في القلوب ومهما كان أثر الوحي السماوي، فإنه لن يؤثر ما لم يجد الأرضية المناسبة، فلو سطعت الشمس آلاف السنين على أرض سبخة، ونزلت عليها مياه الأمطار المباركة، وهبت عليها نسائم الربيع على الدوام، فللها أن تنبت سوى الشوك والتبن، لأن قابلية القابل شرط مع فاعلية الفاعل.
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - الشيخ ناصر مكارم الشيرازي - ج ١٤ - الصفحة ١٣٧.