حتى إذا زلزلوا
|3|
نزلت الآيات السبع عشرة من هذه السورة، واستطاعت بتحليلاتها الدقيقة والفاضحة أن تستفيد من هذه الحادثة المهمة من أجل انتصار الإسلام النهائي وقمع المنافقين بأفضل وجه.
كان هذا عرضًا لمعركة الأحزاب التي وقعت في السنة الخامسة للهجرة، ومن هنا نتوجه إلى تفسير الآيات ونؤجل سائر جزئيات هذه الغزوة إلى بحث الملاحظات.
يلخص القرآن الكريم هذه الحادثة في آية واحدة أولا، ثم يتناول تبيان خصوصياتها في الست عشرة آية الأخرى، فيقول: يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود (كثيرة جدا) فأرسلنا عليهم ريحًا وجنودًا لم تروها وكان الله بما تعملون بصيرا.
ويعلم أعمال كل جماعة وما قامت به في هذا الميدان الكبير.
وهنا جملة مطالب تستحق الدقة:
1 - إن تعبير (اذكروا) يوحي بأن هذه الآيات نزلت بعد انتهاء الحرب ومضي فترة من الزمن أتاحت للمسلمين أن يحللوا في عقولهم وأفكارهم ما كانوا قد رأوه ليكون التأثير أعمق.
2 - إن التعبير ب " الجنود " إشارة إلى مختلف الأحزاب الجاهلية كقريش وغطفان وبني سليم وبني أسد وبني فزارة وبني أشجع وبني مرة، وكذلك إلى طائفة اليهود في داخل المدينة.
3 - إن المراد من جنودا لم تروها والتي نزلت لنصرة المسلمين، هو "الملائكة" التي ورد نصرها للمؤمنين في غزوة بدر في القرآن المجيد بصراحة، ولكن كما بيّنا في ذيل الآية (9) من سورة الأنفال، فإنا لا نمتلك الدليل على أن هذه الجنود الإلهية اللامرئية نزلت إلى الميدان وحاربت، بل إن القرائن الموجودة تبيّن أن الملائكة نزلت لرفع معنويات المؤمنين وشد عزيمتهم وإثارة حماسهم.
المصدر: تفسير الأمثل/الشيخ ناصر مكارم الشيرازي.