مجتمع - القدوة نور الحق |5|
القدوة نور الحق
القدوة الحسنة في حياة الطفل
تعتبر القدوة في حياة الإنسان مصدراً أساسياً من مصادر التربية الّتي من خلالها تتكوّن ملامح شخصيّته، وهي الهدف الّذي يسعى إليه ليجد فيه كمالاته الّتي ينشدها.
وإذا أردنا معرفة الشخصيات التي تؤثر بالأطفال، لوجدنا أنّ الشخصيّات التي يرونها على شاشات التّلفزة وغيرها من الوسائل، تلعب الدَّور المؤثّر في تشكيل القدوة أو النّموذج لدى الأطفال، نظراً إلى قدرتها البالغة للتّأثير فيهم، وذلك فيما يتعلّق بالتقنيّات الفنيّة العالية والجاذبة الّتي تستخدم أثناء تقديمها للأطفال.
إنّ حالة التّماهي الّتي تحصل لدى الطفل، من خلال اندماجه النفسي مع الشخصيّات التي يشاهدها، والّذي غالباً ما تتضمن أعمالاً بعيدة كلّ البعد عن القيم الإنسانيّة العليا، تؤدي إلى تشويه شخصيّات الأطفال والنّاشئة، والابتعاد عن القدوة الحسنة.
القدوة الأساسية للأطفال:
الوالدان
إنَّ القدوة تتمثّل غالباً في شخصيّة مرموقة ومعتبرة، تجتمع فيها الفضائل والصِّفات الحميدة، أمّا فيما يتعلّق بالأطفال، فإنّ القدوة الأساسية والأولى في حياتهم، تبرز من خلال وجود الوالدين الذين يشكّلان النموذج الأوّل في حياتهم، والذي من خلاله يتعلمون تبنّي القيم والمثل العليا، بناءً على ما يتبنّاه الوالدان نفسهما، فضلاً عن التّطبيقات والسلوكيّات التي يراقبها الأطفال عن كثب، والتي تصدر عن الوالدين.
لهذا يتوجب على الوالدين أن يحرصوا على أن يرى فيهم الأولاد صدق المواقف والتربية وحسن السلوك والتصرف، وإنّ أيّ خلل يصدر عنهما، سواء في تبني القيم الدّينية والأخلاقيّة والاجتماعيّة، أو في التعبير السلوكي من خلال التصرفات والأفعال الصّادرة عنهما، فإنّ ذلك سيمثّل للأطفال النموذج الذي يحتذى لديهم.
أدب الإسلام هو الطريق للقدوة الحسنة
إنّ الأطفال هم أمانة إلهية بين أيدي الوالدين، فهم يشكلون عيّنة مصغّرة عن آبائهم وأمهاتهم، عن أخلاقهم وقيمهم، فعلى الذي يريدون لأبنائهم أن يكونوا الأفضل، أن يقدِّم نفسه أمام أبنائه كصورة ونموذج وأسوة ومثال يحتذى، وذلك بأن يكون متأدّباً بأدب الإسلام، وأن يكون لهم الملجأ والأمان والقدوة الحسنة في هذه الحياة، وأن يحسن الإعتناء بهم ليكون القطاف مثمرًا.
فاطمة عليها السلام الموالية
إننا لا نستطيع أن نفهم أو أن نعي الكثير من المواقف التي صدرت من السيدة فاطمة سلام الله عليها إلا إذا قاربناها من زاوية الاخلاص التي تستلزم إتباع أوامر الله عز وجل وأوامر وليّه مفروض الطاعة وحامل المشروع الإلهي.
حيث كان الإخلاص منهجًا انتهجته السيدة فاطمة عليها السلام في حياتها كلها.
لعله يمكن ﻷحد أن يسأل، أنه ما الذي دفع بالسيدة فاطمة عليها السلام ﻷن تقوم بما قامت به وهي صغيرة.
مثلاً: أن تعرض نفسها لﻷذى في سبيل دفاعها ومساندتها ﻷبيها صلى الله عليه وآله، أو ما الذي دفعها ﻷن تتجرع الآلام والمرارات في حياتها والتي لم تقف عند حد المعاناة من الجوع المتكرر والعوز... وفي النهاية لماذا عرّضت نفسها للمواجهة مع مغتصبي الخلافة لماذا لم تنكفئ كما فعل غيرها وتحافظ على مكانتها في المجتمع ولعله لم يكن لينتقص من مكانتها أحد، بل ستكون مكانتها محفوظة وبين يديها قوة سياسية ومادية.
إنها العبودية، إنه الإخلاص في العبودية، إنه العشق لله ورسوله، والإمام المفترض الطاعة من قبل المولى عز وجل.
لم تكن السيدة فاطمة عليها السلام ترى لنفسها وجودًا خارج الإرادة والمشيئة الإلهية، وهي الفانية في ذات الله الباقية ببقائه، فالله ومرضاته وتحقيق مشيئته هو كل ما يعنيها. ولازم تلك العبودية أن تكون مخلصة لله عز وجل وأن لا يصدر منها سوى العظيم من الفعل، وهذا ما فعلته في حياتها.
فنراها خلف أبيها على الدوام تحذو حذوه وتدور في فلكه تقدم له العون بكل ما أوتيت من قوة، ليس ذلك لكونه أبيها بل لكونه ولي الله وحامل مشروع إقامة الحكومة الإلهية ومفروض الطاعة.
وكذا الحال عندما رحل الرسول صلى الله عليه وآله عن هذه الدنيا، حيث ربطت الزهراء عليها السلام حياتها وكل وجودها بالإمام علي عليه السلام لكونه الولي مفروض الطاعة، ولم تتورّع عن حمايته والدفاع عنه حتى بسقطها وحياتها ومكانتها، حتى مضت شهيدة في درب حفظ الولي.
إن إخلاص السيدة فاطمة عليها السلام لله عز وجل وفنائها في إرادته وكونها آية تامة تحكي عن صفاته عز وجل يحتّم عليها أن تكون ذائبة في إرادته التي تتجسد في ما يأمر به الإمام وينهى عنه، هذا ومع كونها معصومة كسائر اﻷئمة عليهم السلام لا تنطق عن الهوى وقد باهى بها الجليل ملائكته، فقدمت لنا بذلك مثالًا عمليًا حول كيفية تطبيق الإخلاص في الحياة وانتهاجه كمنهج، والتولي ﻷولياء الله والتبري من أعدائهم بل خوض معركة التولي والتبري معهم لنكون من أولياء الله، فحري بنا التأسي بها والتمسك والاقتداء بسلوكاتها علها تكون مدخلاً لنا لانتهاج الإخلاص في حياتنا.
جعلنا الله وإياكم من المتمسكين بولايتهم والمتبرئين من أعدائهم.