مجتمع - كونوا أحرارا |4|
كونوا أحرارا
|4|
حدود وضوابط الحرية:
الكثير من الناس يرغبون في التحلّل من الحقوق والواجبات باسم الحرية، ومن الطبيعي أن يفعل الإنسان ذلك، بل من الواجب أن يعيش الإنسان حراً في حياته بشرط أن يفعل ذلك في الحدود التي تحفظ له إنسانيته.
إن الإنسان حرّ من كل القيود ومن كل شيء إلا قيد الإنسانية، أما أن يتحلّل من كل القيود ومن كل الحقوق والواجبات ويعتبر نفسه حراً تجاه كل شيء، فعليه أولاً أن يتخلّى عن إنسانيته ويعتبر نفسه جماداً أو نباتاً أو حيواناً على أقل تقدير، ذلك أن شرط الإنسانية هو قبول المسؤولية تجاه الواجب والحق.
ولأننا بشر وباعتبارنا أرقى المخلوقات وأن لدينا حقوقاً وامتيازات في استثمار الأرض والبحار والغابات وما فيها من نبات وحيوان، فإنّ هناك واجبات مترتبة علينا أداؤها.
قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) في خطاب له بعد قبول الخلافة: "اتقوا الله في عباده وبلاده فإنكم مسؤولون حتى عن البقاع والبهائم".
فقطعة الأرض التي تملكها مثلاً لها حق عليك وهو أن لا تترك بواراً أو خراباً، فإما أن تستثمرها بالزراعة أو تعمرها بالبناء، وبهذا تؤدي حقها.
وكذلك ما تملكه من ماشية كالخيل والغنم والأبقار والإبل والحمير والبغال، فكما أنك تستفيد منها في التنقل أو تستثمرها لأداء بعض الأعمال أو تستفيد من لبنها وصوفها ووبرها، فإنك أيضاً مسؤول عن رعايتها وإطعامها وإيوائها.
كما أن من يتصدى لولاية مدينة أو إقليم من الأقاليم ويكون أمره مطاعاً عليه أن يعلم بأن هناك مسؤولية ملقاة على عاتقه في توفير الأمن والاستقرار في حدود مدينته أو إقليمه أو بلاده.
فإنّ من يملك زهرة يستمتع بعطرها الفوّاح أو بمنظرها الجذاب عليه تقع مسؤولية سقيها والحفاظ على طراوتها.
وإذن فإنّ الإنسان بما يملكه من استعداد ولياقة فطرية تجعل له حقاً في استثمار ما سخّر له من مخلوقات الله، فإن عليه مسؤولية كبرى تجاه هذه المخلوقات ابتداءً من الجمادات والنباتات والحيوانات وحتى أفراد نوعه كمسؤوليته تجاه والديه أو ذريته أو زوجه أو قومه أو معلميه وجيرانه.
يوصي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) أحد عماله قائلاً: "وأشعر قلبك الرحمة للرعية والمحبة لهم واللطف بهم ولا تكونن عليهم سبعاً ضارياً تغتنم أكلهم، فإنهم صنفان: إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق".
يتبع..️