من وحي المناسبة - مسلم بن عوسجة
ركب الفداء
لا أصحاب كأصحابي
مسلم بن عوسجة
يستدير الحسين بوجهه الحزين إلى أصحابه الأبرار بعد تأمل لم يدم طويلا، استعرض به تاريخ الأمس ومن دعوه ليخذلوه.
والحسين أكرم من أن يخفي ما يعلمه من مصير هذه الحرب غير المتكافئة في العدة والعدد.
ولم ينتظر الأصحاب بعد سماعهم مقالة سيدهم إلا أن تتطاول أعناقهم لدوي أصواتهم أرجاء الكون.
فيسبقهم شيخ القراء وسيد فقهاء الكوفيين مسلم بن عوسجة مخاطبًا الحسين عليه السلام معبرًا عن ولائه ووفائه: (وكأني به يقول)
أنحنُ نخلي عنك؟!
وبماذا نعتذر إلى الله في أداء حقك؟!
أما واللهِ لا أُفارقك حتى أطعنَ في صدورهم برمحي، وأضرِبَ بسيفي ما ثبت قائمه بيدي، ولو لم يكن معي سلاحٌ أقاتلهم به لقذَفتهم بالحجارة حتى أموت معك". ثمّ تكلم أصحابه على نهجه .
أما يوم عاشوراء، ولما صرع مسلمُ بن عوسجة، مشى إليه الحسين عليه السلام بنفسه الطيبة الكريمة ـ ومعه حبيب بن مظاهر، وكان به رمق، فقال له الحسين عليه السلام: "رحمك الله يا مسلم. ثمّ قرأ قوله تبارك وتعالى: فمنهم من قضى نحبهُ ومنهم من ينتظرُ وما بدّلوا تبديلاً"، بحار الأنوار/ج45 .
وحتى أنفاسهِ الأخيرة، كان مسلم بن عوسجة ذلك المخلصَ الموالي الغيور، فقد دنا منه حبيب بن مظاهر وقال له: "لولا أعلم أني في الأثر لأحببتُ أن توصيَ إليّ بما أهمك"، فقال له مسلم: " أُوصيك بهذا ـ وأشارَ إلى الحسين ـ أن تموت دونه". قال حبيب: أفعلُ وربِّ الكعبة.
وفاضت روحه الطيبة بينهما.
عجبًا لهؤلاء القوم، فقد طلعوا دنياهم وتعلموا بعالم لا يرون فيه غير الحسين، شعور عجيب وإحساس أعجب؛ تلغى القوات في عالم (أنصار الحسين)، فلا تجد ذات (الأنا) تزاحم ذات الفداء.