أدب الموالين في عاشوراء - أسرارٌ خفية في زيارة الناحية المقدسة |3|
أسرارٌ خفية في زيارة الناحية المقدسة
|3|
ويستمرّ الإمام (عجل الله تعالى فرجه) فيصف ما آل إليه الأمر من حال النساء بقوله: «فبرزن من الخدور ناشرات الشعور».
الخدور: جمع خدر، وهو ـ في اللغة ـ ما يُتوارى به.
فالخدر إذاً هو الستر الذي لا يكشف؛ فيكون معنى هذه العبارة: أنّ بنات الرسالة قد خرجن من خبائهن الشديد الستر.
أمّا قوله عجل الله تعالى فرجه الشريف: «ناشرات الشعور».
فيمكن تصويره كالتالي: كان من المتعارف عند العرب سابقاً أنّ المرأة إذا فقدت عزيزاً عليها تبقى فترة من الزمن محزونة لمصابه، لا تفعل حتى البسمة، لفقده، علاوة على هذا فإنّها وفي ظروف كهذه تفتح ضفيرتها ـ مع مراعاة الستر والحجاب ـ كعلامة لشدّة المصيبة.
وليس المراد من العبارة كما قد يتصوّر بعض الناس أن المخدّرات خرجن من الستر ورؤوسهن مكشوفة.
- والعياذ بالله -
إذاً فيكون معنى «ناشرات الشعور» فتح الظفائر تحت المقانع لشدّة المصاب، بعد أن ربطن المقانع على رؤوسهن بإحكام امتثالاً لأمر أبي عبد الله سلام الله عليه، فقد أوصاهنّ بذلك لكي لا يذهلن عن حجابهن من شدّة المصيبة وهول الفاجعة.
يصوّر الإمام بعد ذلك حالتهنّ بقوله:
«على الخدود لاطمات وبالعويل داعيات».
حقّاً: إنّ كلّ كلمة في هذه الزيارة تعبّر عن مصيبة عظيمة.
وهذا معناه أن العلويّات خرجن من المخيَّم إلى مصرع سيّد الشهداء ـ ولم تكن المسافة بينهما بعيدة ـ وهنّ مهرولات باكيات يصرخن بأصواتهن مناديات: "وامحمداه.
واعلياه.. وافاطمتاه..
واحسناه.. واحسيناه.. واجعفراه.. واحمزتاه..
ولسان حالهن: (يا رسول الله إحضَر اليوم في كربلاء، وانظر ما جرى علينا، وأنت يا أبتاه يا أمير المؤمنين احضر وانظر حالنا).
ثمّ إنّه سلام الله عليه قال: «وإلى مصرعك مبادرات».
فقد تسابقت العلويّات صغارهنّ وكبارهنّ إلى مصرع سيّد الشهداء ولا يُعلم لماذا أسرعن؟ فربما أسرعن ليدركن لحظة من حياة الإمام أبي عبد الله الحسين سلام الله عليه أو أسرعن لشدّة اللوعة أو لغير ذلك!