عاشوراء - كمال المجتمع الكربلائي |2|
كمال المجتمع الكربلائي
|2|
وكان سعيكم مشكورا
كثيرة هي المجالات التي يُمنع فيها تناول المنشطات بأنواعها، حرصًا على إظهار القدرات الفعلية لكل فرد.
أما في كربلاء، فقد حدث عكس ذلك تمامًا، لأن الإمام الحسين (عليه السلام) أعطى أفراد فريقه جرعة منشطٍ سرّي.
فما هي طبيعة هذا المنشط يا ترى؟!
لنفترض أن كلمة السر التي جعلت من أصحاب الحسين (عليه السلام) أبطالًا فدائيين يتحدون الموت بشجاعة قل نظيرها هي حبهم الكبير والشديد لسيد الشهداء، نكون قد تجاهلنا آلاف المناصرين له في مكة والمدينة والكوفة وغيرها.. الذين حملوا كل الإحترام والعشق والولاء له، ومع ذلك لم ينصروه.
الإمتنان وقود الشجاعة
إذاً فهناك سبب إضافي، قوّى عزيمة هؤلاء الأشداء، فصحابة أبي عبد الله رافقوه في أكثر أيامه محنة وصعوبة، فلم يرووا منه إلا نموذج الكمال الإنساني الذي تتعلق به الروح، فتصبح أسيرة طوع يديه. ومن بين تلك الكمالات، وجدوا قائدهم الغريب، الوحيد، الذي تحيط به المصائب من كل جانب، كثير الشكر لهم والإمتنان لوفائهم الفريد.
في ليلة الوداع الأخيرة، ناداهم بأجمعهم وقال :"أما بعد فإني لا أعلم أصحابًا أوفى ولا خيرًا من أصحابي، ولا أهل بيتٍ أبرّ ولا أوصل من أهل بيتي، فجزاكم الله عني جميعًا خيرًا.
وعند وقوع المعركة، كان يتوجه إلى كل فرد منهم حين شهادته، فيشكره لبذله الروح في سبيل الإسلام ويبشره بالجنة.
والله سبحانه وتعالى قد سمّى نفسه بالشكور، وهو يحب عبده الشكور، حتى تردد مصطلح الشكر ومشتقاته في آيات كثيرة في القرآن الكريم، مثل "ومن تطوّع خيرًا فإن الله شاكرٌ عليم" (البقرة 158)
ما هو الأثر النفسي للشكر؟
ولماذا وصفنا عرفان الإمام الحسين (عليه السلام) لتضحيات أنصاره بالمنشط المعنوي؟!
لأن إظهار تعابير الشكر والعرفان، له أثر عميق جدًا في قلب طرفي العلاقة. فالطرف الذي يبين الشكر والإمتنان سيعكس لدى الطرف الآخر تقديره للجميل الذي صنعه لأجله؛ وسيجعل الطرف الذي قدم هذا الجميل يشعر بأهمية وقيمة معروفه، مما يحفزه لتقديم المزيد والإستمرار فيه.