عاشوراء - كمال المجتمع الكربلائي |5|
كمال المجتمع الكربلائي
|5|
الحسين وصلاته الثورية
كعلاقة المهموم بكاشف همّه، وتعلّق الطفل الوليد بأمّه، كان الحسين مع الصلاة.
مع رشقة السهام أقامها، وفي ليلة الموت عهدها، كنزَ حياة.
وكأني به ساعة وقف لأدائها، للمرة الأخيرة، تمنى لو تطول تلك الركعات عمرًا كاملًا، ليس هربًا من القتل ولا خوفًا من تربّص العِدا، بل لأنه بعد الرحيل، لن يشتاق من هذه الدنيا إلا للصلاة.
- كيف تراه سجد السجدة الأخيرة لربه؟! وبماذا ناجاه في تلك اللحظات!
- ما حال قلبه وهو يتلفّظ لآخر مرة "سبحان ربي الأعلى وبحمده" !
ربما لو كان الغطاء مكشوفًا، لغرقت الأرض من دموع الناظرين.
صلاةٌ فاعلة غير ساكنة
"لقد كانت صلاة الحسين عليه السلام من أصدق مظاهر إخلاصه لله وتمسكه بالشريعة"
(الشهرستاني/ نهضة الحسين)
✔ تلك الصلوات قد تميزت بالفاعلية والثورية، فهو لم يذهب إلى محراب منعزل ليعبد الله بعيدًا عن الدنيا ومجرياتها، بل اختار أن يكون محرابه وسط ميدان الجهاد، ليعطي لهذه العبادة طابعًا خاصًا، وبُعدًا يختلف عن كونها علاقة عبد بمعبوده فحسب.
✔ فها هو الحسين عليه السلام، يقف في حر الصحراء وتحت مطر السهام، غير آبه بشيء، ليقول لذلك المعسكر البائس ومن خلفه للعالم أجمع: هكذا تكون صلاتنا عامود ديننا، فلن نسمح لهذا العامود بالإنهيار أبدًا، ولو في أحلك الظروف وأعظم الشدائد.
تجسيم واقعي للإسلام
هناك علوم كثيرة تتكامل فيها الجوانب النظرية مع الجوانب العملية التطبيقية، تسهيلًا لفهمها على المتلقي.
✔ وكذلك الحال بالنسبة للعلوم والمعارف الإسلامية، إذ إننا نراها كلها متجسدة في واقعة كربلاء.
يقول الشهيد مطهري " كل المبادئ الإسلامية وجوانب العقيدة كافة قد تجسدت عمليًّا في هذه الحادثة، إنك تجد الإسلام في السياق الفكري وفي العمل وفي مرحلة التحقق والتطبيق". (الملحمة الحسينية)
✔ ومن بين هذه الجوانب العملية، جاءت الصلاة لتحتل الصدارة، فمع الحسين عليه السلام، الصلاة لم تغادر جوارحه، لا في ليلة وداع الأحبة، ولا وسط احتدام المعركة، ولا حتى عند تصاعد الأنفاس الأخيرة حين ذاب الإمام في صلاته الخاصة ومناجاته، وأوصاله آخذة في التقطع: إلهي تركتُ الخلق طرًّا في هواك.