عاشوراء - العشق الحسيني |3|
العشق الحسيني
|3|
فلسفة النهضة الحسينية
لإدراك ومعرفة المسؤوليات المترتبة علينا من خلال نهضة الإمام الحسين (عليه السلام) ينبغي الإمعان والتأمّل قليلاً في قضيته سلام الله عليه.
لقد ثار الكثيرون في العالم وقتلوا وكان لهم قادة، وكان بينهم الكثير من أبناء الأنبياء والأئمة (عليهم السلام)، لكن سيد الشهداء (عليه السلام) فردًا واحدًا، وواقعة كربلاء فريدة في نوعها، ومكانة شهداء كربلاء منحصرة بهم، لماذا؟
يجب البحث عن الإجابة في طبيعة هذه الواقعة لتكون لنا درساً ومسلكاً.
إحدى الخصائص الهامة لهذه الواقعة هي أن خروج الإمام الحسين (عليه السلام) كان خالصاً لله، ولإصلاح المجتمع الإسلامي.
فعندما يقول الإمام (عليه السلام): «إني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا ظالماً ولا مفسداً» فمعناه أن ثورتي لم تكن للرياء والغرور وليست فيها ذرّة من الظلم والفساد، بل «إنّما خرجت لطلب الإصلاح في اُمّة جدّي» أي أن هدفي هو الإصلاح فقط ولا غير.
ان القرآن الكريم حينما يخاطب المسلمين في صدر الإسلام يقول: {وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِم بَطَرًا وَرِئَاء النَّاسِ}، وهنا الإمام (عليه السلام) يقول: «إني لم أخرج أشراً ولا بطراً». تأمّلوا جيداً، فهنا نهجان وخطّان:
فالقرآن يقول لا تكونوا مثل الذي خرجوا «بطراً» أي غروراً وتكبّراً، ولا أثر للإخلاص في تحرّكهم، وإنما المطروح في هذا المنهج الفاسد هو الأنا والذات ورئاء الناس.
وهناك خطّ ونهج آخر ومثاله ثورة الإمام الحسين (عليه السلام)، والتي لا وجود للـ«أنا» وللـ «ذات» والمصالح الشخصية فيها أبداً، إذاً هذه أول خصّيصة من خصائص ثورة الحسين بن علي عليه السلام.
الإمام الحسين عليه السلام يدلنا على رسالة الإخلاص التي ستبقى خالدة على مرّ الزمان، وإن لخلودها وبقائها علل وأسباب:
فكلّما ازداد الإخلاص في أعمالنا كلّما ازدادت قيمتها، وكلّما ابتعدنا عن الإخلاص كلّما اقتربنا من الغرور والرياء والعمل للمصالح الشخصية والقومية، وكلّما ازدادت الشوائب في الشيء كلّما أسرع في الفساد، فلو كان نقيّاً وخالصاً لما فسد أبداً.
إن أهل الفن والبصيرة يعلمون، أنّ اللّه تعالى هو الناقد في هذه الواقعة، «فإنّ الناقد بصير»، فوجود شائبة بمقدار رأس إبرة في العمل يقلّل من قيمة العمل بالمقدار نفسه، وحركة الإمام الحسين (عليه السلام) من الأعمال التي ليست فيها شائبة ولو بمقدار رأس إبرة، لذا هو باقٍ إلى الآن وسيبقى خالداً إلى الأبد.
فمن توقّع خلود اسم وذكر أبي عبد اللّه الحسين (عليه السلام) وأنصاره في التاريخ؟
أولئك الذين قُتِلوا غرباء في تلك الصحراء وحيث دفنوا فيها رغم كلّ الإعلام المعادي في ذلك الوقت.
واقعة كربلاء حيّة وباقية ليس في مجرد قطعة أرض صغيرة فقط وإنما في منطقة مترامية الأطراف في محيط الحياة البشرية.
إن كربلاء موجودة في كلّ شيء وستبقى حية إلى أبد الآبدين، في الأدب، في الثقافة، في السنن والآثار، في الاعتقادات، في القلوب وفي كل ضمير ووجدان.
يتبع..
الإمام السيد علي الخامنائي حفظه الله