العبرة من كربلاء
الجزء الثاني
سرّ الصلاة الأخيرة
غالبًا، عندما يختار الفرد الرسالي الثوري المضيَّ في طريق مواجهة المستكبرين، ينطلق في خياره من قاعدة عقائدية وقيمية عميقة صلبة ثابتة، أصلها النظرة الكونية التوحيدية للوجود وتتدرج في سلوكياته الحياتية التي تؤكد وتجذّر هذه القاعدة وتغذيها. إلى أن تحين لحظة المواجهة حيث تتجلى مفاهيمه وعقائده بشكل مدهش قلّ نظيره.
وواحدة من هذه التجليات المدهشة هي الصلاة الأخيرة!
فما هو السرّ في كون آخر ما يطلبه شهداء الحق من قاتليهم، في مواقف الإعدام والقتل، الصلاة بين يدي الله عز وجل؟
حصل ذلك مع أصحاب أمير المؤمنين علي عليه السلام حينما تعرضوا للصلب والقتل والتعذيب كميثم التمار وحجر بن عدي، وأيضًا مع مسلم بن عقيل و هانئ بن عروة في كوفة الأحزان.
ثم في كربلاء عندما استمهل ابو عبد الله الحسين عليه السلام من أعدائه ليلةً اخيرة يقضيها بالصلاة والمناجاة، مع أهل بيته وأصحابه. حتى إذا أتى زوال يوم العاشر، توقفت المعركة ليؤدي سيد الشهداء وأنصاره صلاتهم الأخيرة تحت خطر وابل السهام القاتلة.
وحيث أن آخر لحظات حياة الإنسان تعبّر عن خلاصة عمره، فهؤلاء حينما اختاروا أداء الصلاة بهذه الطريقة، كانوا يقصدون إيصال عِبرة صارخة للمؤمنين بأن خلاصة رحلة الحياة الدنيا من أولها إلى آخرها تتلخص في تلك الصلاة بكل ما تحويه من مضامين ومعانٍ. وأن كمال العلاقة مع الله الحبيب لا تُبلَغ إلا بالصلاة.