www.tasneem-lb.net

أخلاق

ديننا - ها هو اليـتيـم بعين الله |2|

ديننا
ها هو اليـتيـم بعين الله
|2|

 

القمر فـي ليلته الـرابـعـة عـشـرة، يسطع بـأضـوائـه الـلامـعـة على ناصية عبد المطلب، فتضفي على طلعته البهية هيبة سماوية.
راح نسيم الصبا العليل بعد فترة من الهبوب يتسلل إلى شعر  عـبـد الـمـطـلـب الـكـث ويـنـحـدر إلـى أمــواج تـجـاعـيـده، فـيُذكّر بصورة النبي إبراهيم، المعلّقة على باطن الكعبة. 
جـهـر عـبـد الـمـطـلـب بـعـريـض صـوتـه، صــوت كـأنـه يـتـعـالـى من عوالم أخرى: هـذه رابـع مـرة أراه فيها. قبل أربـعـة أيـام، وللمرة الأولــى، ظهر الطائف أمامي، وسط النهار، بينما كنت نائمًا عند الكعبة، في حجر  إسماعيل. التفت إلي قائلاً: احفر طيبة.
 سألته دون استفسار، وما طيبة؟
 انصرف عني، من دون أن يردّ على سؤالي!
وفي المرة الثانية، تمثل لي في المنام شاخصًا، فأمرني قائلاً: إحفر برّة!
سألته على عجل: وما برّة؟ 
غاب عني من دون أن يحري جوابًا.
كــذلــك أمـــس طـــاف بــي الــطــائــف فــي الــمــنــام لــيــقــول: إحـفـر المضنونة!  هرولت إليه لأسأله: وما المضنونة؟
 ولّى عني كالنسيم، قبل أن أختم كلامي، وأظفر بجواب.
ومنذ ذلك الحين، أُجيل الذهن وأتساءل: ما طيبة؟ برَّة..؟ مضنونة؟ الـرؤى صـادقـة؟ إلهية؟ من أيـن ألـمّ بي هذا الهاتف الغيبي.. لماذا..؟ 
الأسئلة هذه، منذ أيام، قد شغلت بالي، وبعثت فيّ القلق وحرمتني الراحة، ومنعت عني النوم والطعام.
 تنفس عبد المطلب الصعداء، بعد فترة عصيبة مرّ بها كأنه تخلص مـن أعـبـاء باهظة، أوشـكـت أن تقصم ظهره ثـم أشـاح بوجهه عن قمة قعيقعان وألقى نظرة، ملؤها الحنان، على وجه زوجته قائلًا:  وأخيرًا في ليلتي هذه، انكشف الغطاء، وها أنا سأنام بعد الآن مرتاح البال. قرّي عينا يا سمراء؛ فزوجك أمر بحفر زمزم، زمزم البركة والـنـقـاء، لقد منّ رب الكعبة على مكة ثانية، فشملها بحسن عنايته، وجميل ألطافه.
ما اكتحلت عيناي بالنوم حتى الفجر؛ اذ امتزجت روحي بالبهجة والقلق. كنت أترقب بفارغ الصبر الفلق. وأتمنى لو يحل عليّ لأنطلق الى الحرم وأباشر العمل.
شغل بالي طويلاً حفر زمزم، غاليتي العزيزة. بل بلبلت بال أبي، هاشم، وأبيه على مدى الأيام. منذ أن وافت المنية عمي المطلب. أُنيطت إليّ سقاية الحاج؛ فعقد عليّ الحي الآمال..
يتبع..


تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد