ديننا - ها هو اليـتيـم بعين الله |3|
ديننا
ها هو اليـتيـم بعين الله
|3|
عندما كنتُ يافعًا، أيقظني والدي مرة مع الفجر.
ولم أدرِ لِمَ بدا الأمر لي عجيبًا، مع أننا إعتدنا على الإبكار. كأن غرّة الفجر سيتمخض عن أمر ما.
أجل لقد صمّم والدي وعقد العزم على استنباط بئر في الحرم. إنّ حفر البئر ليس أمرًا جديدًا. لكن الذي أثار فيّ العجب العجاب. أنّ والدي بنفسه سيباشر الحفر والاستنباط، سألته عن السبب والدليل.
سرد لي حكاية قديمة تعود إلى 2440 سنة، عصر جدنا إسماعيل عليه السلام.
إثر إسماعيل، جاء دور ابنه ثابت، ليقوم بأمر السدانة وخدمة الحجيج. وإذ وافته المنية، تولّت قبيلة جرهم الأمر، واحدًا إثر الآخر إلا أنهم طغوا لما استغنوا، وعاثوا في الأرض فسادًا.
إستمر الحال على هذا المنوال 330 سنة، حتى طغى سيل العرم في اليمن فتشردت خزاعة ثم نزحت إلى مكة؛ واقتتلت جرهما. استعانت خزاعة بكنانة فآذنوا بحرب، ثم هاجموا مكة. فكانت لخزاعة الغلبة.
منذ ذلك الحين، ولأمد بعيد، صار النزاع سجالاً على أمر السدانة وخدمة الحجيج بين خزاعة وجرهم.
ظفرت خزاعة على جرهم بما عبأت من الرجال..
غلب خزاعة الغرور، فظلمت الحجيج، وبقي ذلك دأب خزاعة وديدنها لسنين وأعوام، حتى ثار جدنا الرابع قصي بن كلاب يقتص منها لما عاثته من الظلم والفساد، فهزمها، ثم عن مكة أجلاها.
كان أبي ينقل عن أبيه أنه: لما استظهر جدنا على خزاعة، واسترد مكة، لم يظفر بزمزم. إستقصى الأمر، فعلم أن القبيلة هذه حين تيقنت الهزيمة، طمّت البئر، فانطمست معالمها.
ولّى الأب وابنه وجههما شطر الحرم: أخذ عبد المطلب بيده مسحاة ثم استبق ابنه الخطوات، أما المارة كانوا يكبرون أمر سيد قريش، وينكرونه عليه مستفهمين: ماذا حل بشريف قريش ودهاه ليحمل المسحاة بنفسه، أين غلمانه، ما منعه أن يستغني بهم، ويوكل إليهم هذا العمل الخسيس!
يتبع..