أخلاق - ها هو اليـتيـم بعين الله |5|
ديننا
ها هو اليـتيـم بعين الله
|5|
فاض خبرنا، فصرنا حديث مكة وأشرافها منذ أن باشرنا العمل. في كل يوم يجتمع الناس من حولنا، ويتناقلون أخبارنا؛ وأحيانًا يدفع بعضهم حب الاستطلاع، فيلحّون عليّ بالاستفسار؛ ليعرفوا غاية أبي ونواياه، فلا أردّ عليهم بجواب.
وذات مرة، بينما كان أبي يحفر البئر، وأنا أنزح التراب بالمكتمل، إنثالت علينا سادات قريش من كل حدب وصوب، فضقت بهم خوفًا، ومُلئت منهم رعبا. إحتشد القوم حول ما حفر أبي وصاحوا به: عبد المطلب! أيا عبد المطلب، ألا تسمع نداءنا؟
كان عبد المطلب على عمق ثلاثين ذراعًا من الجبّ.
أجل، أسمع.
طابت أوقاتك يا عبد المطلب، لقد أنفقت جهدًا كبيرًا، ألا تريد أن ترفق بنفسك، وتهوّن عليها.
يهوّن عليّ في الحبيب، الإعياء والنصب، بل يحلو ويطيب.
حسنًا حسنًا لقد أقبل كبار القوم عليك ليتحدثوا إليك في بعض الشأن.
مرحبا. الشمس قاربت الغروب، والليل يتقدم، وعملي على وشك الانتهاء. سأنفضُّ إليكم بعد وأكون معكم ما وسعكم من الوقت.
ما إن غربت الشمس حتى أخذ أشراف مكة وبطونها مكانهم من فناء الحرم.
منذ أيام ينبش عبد المطلب في أرض الحرم دون أن يستشير احدنا.
في اليوم الأول زجرته مؤكدًا أن ما يفعله هو نيل من الآلهة لكن لسانه سكت عن الجواب.
وأنا أيضًا فعلت ذلك لكنه رفض وقال: إن زمزم اتخذت من الحرم موضعا.
مع ذلك ما كان له أن يقوم بالأمر دون أن يأخذ ما يرضينا وإلا فلم يجتمع القوم في نادينا.
تصارح القوم كالمعتاد وأعلنوا بعيدًا عن اللُّبس والكتمان: إنها بئر أبينا اسماعيل وإن لنا فيها حقًا، فأشركنا معك!
قلت لهم: البئر وماؤها ليست لي وحدي، وأنا كشفت طيّها بأمر هبط إليّ من السماء.
لكنهم أصرّوا على أن ينالوا شرف المشاركة وألحوا في ذلك. اعتصر فؤادي غيظًا. قد حصحص لي مرّات أنهم لا يرعون حقي؛ ولا يأخذون بنصحي، إنهم لا يستضعفوني إلا لأني أبو واحد.(ليس لديّ من الأولاد إلا واحدًا)
كل كان ينتظر الجواب، فقلت لهم: كي لا تكون فتنة ليس أمامي إلا المخاصمة والاحتكام.
ثم أعلن أكبرهم سنًّا، هاشم بن المغيرة لنحتكم إلى كاهنة سعد بن هذيم، وليبعث كل بطن إلى معان بالشام رسولاً منهم يصطحب عبد المطلب ونفرًا من أهله..
ما هي إلا ثلاثة أيام حتى انطلق الجمع بما يعنيهم على قطع الطريق من الزاد والماء.
يتبع..