أخلاق - ها هو اليـتيـم بعين الله |7|
ديننا
ها هو اليـتيـم بعين الله
|7|
عذرًا؛ يا عبد المطلب فـمـا أصـابـنـا مــا أصـابـنـا إلا استكبارًا عـلـيـك وعـلـى مـشـيـئـة الله. وهــا نـحـن نـرجـع أدراجـنـا، وننطلق إلـى ديـارنـا؛ حمدًا وشـكـرًا على جديد حياتنا. لِمَ زمزم يا بن هاشم، خذها فما يدريك، لعل - بمحمود مقامك وبركة يدك - تنفتح على مكة سابغ النعم، ووفير الخيرات.
الهواء الساخن الخانق كان يثقل على أحشاء الجبّ، ويلفحه بلفحات لاسعة، فـضـاق على عبد المطلب الخناق؛ إذ امتنعت رئته على الهواء. إلا أن روح عبد المطلب أخذت تخف معلّقة في الفضاء، كلما اشتد على جسمه العذاب والعناء؛ فقد اطمأنت إلى رضوان من رب الكعبة.
"مــرّت أيــام عـلـى قـفـول الـركـب مـن سـفـره الـمـضـنـي، وجسمي لا يـزال يعتريه الضعف ويهده الوهن، ويرنحه الإرهـاق، وعلى ذلك كنت أحـسـن حــالاً مـن صحبي الـذيـن أجـهـدهـم الـنـصـب؛ فلازموا الفراش مرضى، لا يفارقونه.
قبل أن أضطر على شد الرحال، كان قد بلغ بي الحفر الذراع الثلاثين، حيث تلقى أنفي رائحة الرطوبة والنداوة، فباشرني اليقين، أنـنـي اقـتـربـت مــن ضــالتي فـهـاجـنـي الـشـوق..
رغم ما كان يعانيه عبد المطلب من الإعياء، ثابر على العمل وجدّ كادحًا في الحفر، مـردّدًا بصوت عريض، ابتهالات، طالما ترنّم بها في ماضي أيامه.
إنتصف النهار، فخلت أروقة الحرم رويدًا رويدًا، ولمّت أطراف قباب السادة.
شعرت آنفًا من ضربات المعول وإيقاعها، أن الأرض لم تعد صلبة وفجأة أحسست أن الطين اللازب يتحوّل عند الحفر الى رمال رخوة هشة.
عبد المطلب نشط في الحفر، مقومًا ضربات المعول، وابنه الحارث من تلقاء نفسه، كان يفرغ المكتل ثم يعيده إلى الحفيرة.
الأيام بعنائها وطولها انتهت، والبركة على مكة قد حلت، وهموم سقاية الحجيج سنويًا انقشعت، وتلك الرؤى المتكررة الصادقة قد تحققت.. صفاء وحياة وماء.
الله أكبر!
ارتفع صوت عبد المطلب بالتكبير حتى امتلأ المسجد، وبلغ أقصى الحرم، وتعالى إلى عنان السماء.
فحطّ على الأرض ما بيده من الأثقال، وهرع القوم سراعًا الى المنحر، يسبقهم الحارث.
ها هي زمزم!
وأخيرًا احتفر ابن هاشم زمزم!
اضطرب البعض وهاج وماج، فأقبلوا إلى السوق والطرقات، يزفّون إلى الناس نبأ العثور على زمزم ثانية، بعد أجيال أربع من الضياع..
يتبع..