www.tasneem-lb.net

أخلاق

أخلاق - ها هو اليـتـيم بعين الله |10|

ديننا
ها هو اليـتـيم بعين الله
|10|

 

"الكعبة - كما هي اليوم - كانت مستطيلة الشكل، مكسوةً بمخمل أسود يماني. جدرانها من الحجر، وعرشها من الطين والخشب.
خـلـعـنـا الـنـعـل، وتـركـنـاه عند السلم الخشبي، ثم ارتقى بنا الـدرج إلـى مصراعي الباب. وفي جوف البيت، هبطت بنا بعض السلالم على قاعدة الكعبة.

دخلنا الكعبة جميعًا، فالتفت إلي أبي قائلًا: يا حارث، أوصد الباب وقف وراءه، ولا تسمح لأحد بالدخول حتى يتم الاقتراع. أطعت الأمر، فوقفت فوق السلم الحجري مسندًا إلى الباب ظهري، ثم أوعز أبي إلى صاحب القداح في التهيؤ والاستعداد".

مـع أن صـاحـب الـقـداح كــان أدرى بـالأمـر، لـكـنـه ســأل حسب العادة، بين من وما سيضرب القداح؟ 
رد عليه عبد المطلب قـائـلاً: بين أولادي العشرة؛ ليتبيّن من هو ضحية الوفاء بالعهد. 
قــدم عـبـد الـمـطـلـب إلــى صـاحـب الــقــداح صــرة، قــد غـصـت بالمسكوكات قائلًا: هذي مئة درهم، ولك أيضًا من الأجر جزور به الغلام بعد رعي الأغنام. 

فــرغ صـاحـب الــقــداح مــن الإجــالــة، فــرد الـغـطـاء إلــى الــوعــاء. فانبرى عبد المطلب يتضرع، رافـعـًا يديه إلـى السماء. أخـذ يبتهل إلـى الله بـصـوتٍ غير خـافـت على الأولاد، قـائـلاً: اللهم يـا مـالـك يا حميد، أنت إلهي، وأنـت البارئ والمعيد، تقبض وتبسط، لك كل قديم وجديد. اللهم أرنا مشيئتك في هذه الأقداح!
 انـحـبـسـت فـي الـصـدور الأنـفـاس، وضــاق عـلـى عـبـد المطلب الــخــنــاق، تــحــت وطـــأة الــهــواء الــخــانــق، الـمـثـقـل بــدخــان الشموع والمشاعل.. 

يا عبد المطلب، على عبد الله وقع اختيار الآلهة.
تمتم عبد المطلب بصوت خافت هذا ما كنت أتوقعه!
أحسّ عبد المطلب أنه انهدَّ وخرَّ في الفضاء. "قد حقّق رب الكعبة مُنيتي، فوهبني على بعيد الانتظار تسعة أولاد، وها قد حان حين الوفاء بالعهد:
انطلق صوب الباب؛ لم يكن هناك داع للبقاء جوف الكعبة..
من فرجة الباب برز عبد المطلب، يتبعه الحارث والأبناء، واضعين على الدرج الخشبي الأقدام.
فسحت لهم الجموع الطريق، فوطأ سيد قريش وبنوه رمال الحرم في سكوت مطبق.
اتجه عبد المطلب، ومن بعده الأولاد حتى بلغوا المذبح الملوث بالعلق، فتوقف عبد المطلب، فتحلقت حوله الحشود، استدعى ابنه عبد الله. ما ان ناداه، حتى تصعدت الآهات من القوم رجالاً ونساء:
هو في ريعان الشباب، لم يمتع من الحياة.
عبد الله خيرة أولاد عبد المطلب.
صرخ شيخ هرم: علينا ألّا نسلمه للفداء.
وثبت فاطمة صوب عبد الله وصرخت قائلة: "لن أسمح لك بذلك، سأمنعه بحياتي..."
هرعتُ إلى فاطمة مسرعة، ثم نزعت من الأذن قرطي، ووضعته تحت لسانها ليربط جأشها.
كنت غارقًا في أفكاري فإذا بالقوم هاج وماج؛ مما خفت ثورتهم واضطرابهم خاصة أن المغيرة بن عبد الله المخزمي من أخوال عبد الله كان بينهم.
يتبع...

 


تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد