أخلاق - ها هو اليـتـيم بعين الله |12|
ديننا
ها هو اليـتـيم بعين الله
|12|
لمّا انفض الفداء، طفتُ سبعًا حول الكعبة حامدًا. وأشرت على أبنائي ألا يضنوا بالجزور على أحد حتى السباع وطيور السماء.
عدنا بالأمس من يثرب بعد أن ذهبنا إليها مع نفر من القوم نحتكم إلى عرّافتها في فداء عبد الله.
طـالـت الـرحـلـة نـحـو عـشـريـن لـيـلـة، عرّجت خـلالـهـا عـلـى ديـار الأخوال فـي بادئ الأمــر.
"خـرجـنـا حـتـى قـدمـنـا مـكـة، فـلـمـا أجـمـعـنـا عـلـى الأمـــر، ضربنا القداح حتى بلغت الإبل مئة، فخرج عليها. سـاورنـي الـشـك، فـأمـرت بمعاودة الـضـرب للمرة الثالثة، فلما خرج عليه، باشرني اليقين أن رضا رب الكعبة قد انتهى. وفـي الـيـوم الآتــي سـقـت إلـى الـمـنـحـر مـن الإبــل مـئـة، فنحرتها عنه".
"فلنذهب يا ولدي" قالها عبد المطلب، وهو يشد على يد فتاه برضا وحـرارة وحنان. بادله عبد الله الشد، فربط على يد أبيه مستسلمًا في حب ووداد، وانصرف معه صابر التفت عبد المطلب إلى ابنه، وهما يخفان من الحرم بغبطة وبهجة، ألا ترى ذلك!؟، فقال في هزل وجد: لقد كلفتنا غالي. بـدت على عبد الله بـوادر الأسـف والـنـدم، فقال: يعز علي أبتاه شقاؤك من أجلي، لقد غاليت في الفداء، وطبت نفسًا عن عريض المال؛ فمئة من الإبل حصيلة أتعاب خمسين عامًا!
جدّ عبد المطلب هذه المرة
وقـال: بجلالة الـذي نفسُ أبيك بقبضته، لئن كان القدح يخرج على كل ما أملك، لكنت أبذله على الرحب والسعة في سبيلك.
لا بأس يا ولدي.
لم يشأ عبد المطلب أن يعكّر صفو تلك اللحظات وعذوبة الأحاديث وحالك الذكريات وكل ما يدفع إلى الضجر والملل.
فبادر إلى ابنه بالقول: ولدي الماضي مضى، وأبوك الآن لا يكنّ إلا البشاشة والسرور، ولا يستشعر إلا الحمد والثناء. فلا تفكر إلا بقادم الأيام وحلاوتها فكر في آمنة وزواجك منها... فقد سبق أن بعثت ساعي الخير إلى وهـب. وهو الآن وزوجـه في انتظارنا.
سيجهز أخوتك بعد النحر لوليمة العرس شعب هاشم.
انـدفـع الــدم فـي صفحته الـطـريـة، فـربـّت عـبـد الـمـطـلـب على كاهله، فارتسمت على وجه عبد الله ابتسامة عذبة عريضة.
يتب...