أخلاق - ها هو اليـتـيم بعين الله |14|
ثقافتنا
ها هو اليـتـيم بعين الله
|14|
تدارك هشام - وهو من غلمان عبد المطلب في ركب الشام يـوعـز عبد المطلب بأمر جديد، الـمـوقـف، فألقى علينا التحية، ثم قال: سيدي مولاي عبد الله تخلف عن الركب ولبث في يثرب عند أخواله.
عاجله عبد المطلب بالسؤال: كيف، لم يرجع؟
لـدى الـعـودة ظـهـرت عـلـى صفحته عـلـل فـتّـت فـي عـضـده، ورفـعـت مـن حـمـاه ونـحـن على مـشـارف يـثـرب؛ فـاضـطـر إلى البقاء ذهبت به إلى طبيب يهودي بالمدينة فوصف لمولاي الدواء، وأمره بالخلود إلى الراحة. فلا بأس عليه الآن، هو عند بني قيله في ديار أخـوالـه. أمـرنـي أن أخـبـرك وزوجــه أنه سيعود إلـى مكة ريثما يسترد الصحة والعافية.
- ومتى كان ذلك؟
- قبل عشر ليالٍ يا سيدي». ظهرت على الـوجـوه أمـارات الجزع والـذهـول، واشـتـدت بآمنة وعبد المطلب اللوعة والاضطراب.
تـمـثـلـت أمام عـبد المطلب غموم الماضي، وغريب خاطر كان يصر عليه أن يحتفظ بصورة لابنه تملأ قلبه وعينيه. وتذكر ذاك الهاتف الملح ينذره برحيله الأبدي..
أَيــَمُــتُّ إلى الرحلة بِصِلة، ذاك القلق القديم والهاجس المفجع؟ أتتسنى له رؤية عبد الله ثانية؟ لم تنكر آمنة ما تلقته من الهاتف القلبي، بل شاطرت عبد المطلب الإحساس بفسحة أمل أوسع؛ إذ لم تكن مثله بعيدة العهد؛ فعبد الله في عز الشباب، باللوعة والاضطراب ولم تر للقلق داعي غــض، نـضـر، هـيـهـات أن يـهـده الـسـقـم والأوصـــاب «هــــدأت مــن روعـــي، وطـمـأنـت نـفـسـي أن سيعود عبد الله موفورًا سالمًا، فلنكن شاكرين؛ إذ المرض قد داهمه داخـل يثرب، لا في طريق العودة.
"بعد أن ندبني والدي، سرت إلى يثرب بالمرقال، فاختزلت الطريق ليال ثلاث، ثم وصلتها بعد خمس، عرّجت هناك على حي بني قيله وقلعة بني النجار؟ وافتقدت عبد الله عند أكبر أخوال والدي، فلم أجد له أثرًا. لم يكن في داره سوى زوجه العجوز، دعتني إلى مخدعها لاستريح، جلست عندها والقلق يساورني والحيرة تداهمني.
قامت العجوز وهي تتوكأ على إحداها: أقعد يا ولدي لآتي إليك بشراب.
شكرًا يا زوجة الخال، ما بي عطش.
أجال الحارث ببصره في الغرفة، فسأل: ما لي لا أرى عبد الله، يبدو أنه غادر الدار بعد أن صاحبته السلامة والعافية! أجهشت العجوز فجأة بالعويل والبكاء.
فوثب الحارث من مكانه يصيح: ماذا حلّ بعبد الله؟
انهارت العجوز، وهي تصرخ: مات عبد الله، يا ولدي، مات.
ماذا تقولين!
أجل، يا ولدي، قبل يومين، استدعينا له الطبيب اليهودي، لكن دون جدوى، دون فائدة.
يتبع..