أخلاق - ها هو اليـتـيم بعين الله |15|
ثقافتنا
ها هو اليـتـيم بعين الله
|15|
يا لطول الشوق المضطرم، ولهفة العيون إليه!
الـدنـيـا استحالت مزرعة مجدبة، رمضاء.. ملتهبة، عفاها الرماد.
امتلأ كل صـوب وحـدب بأسباب الفساد، واستفحل التهتك حتى في بطاح أم القرى ومدينة الله.
لم تكن الأصباح في مكة بأمثل من لياليها؛ فقد كانت تتوزع المدينة قصور وأكواخ. فئة قليلة تستأثر بمواهب مكة وثرواتها - مكة مثابة التجارة في الجزيرة ومطمح التجار - وأخرى كثيرة تصارع الفقر وتعاني الحرمان؛ فتئد بناتها خشية عار... خشية إملاق.
فـي هــذه الــظــروف الـعـصـيبة، كــان الـبـؤسـاء قـد عـقـدوا الأمـل على أمثال عبد المطلب؛ فهم النعمة وسبيل الخلاص، ومثله ملاذ المتحيرين، ومـأوى المساكين.
"كـان عبد المطلب ومـن معه على مـلـة إبـراهـيـم حنيفا، لكن آخـريـن غيرهم كـانـوا يشركون بــالله، ويعبدون الأوثــان.
ذات يـوم، قبيل عـام الفيل، في عكاظ هـذه، التقيت براهب واقــف عـلـى صـفـة، وقـد الـتـفّ حـولـه لفيف مـن الـنـاس. يتكلم العربية بلكنة رومية - شامية. في ملامحه ولحن قوله ما كان يشدني إليه. التحقت بمن تحلّق حوله لأصغي إليه. كان بحرارة خاصة يقول: يا أيها الناس، إنني على علم بما جاء في اثنین وسبعین كتابًا سماويًا، ورد في كثير منها علامات خاتم الرسل.
قام رجل بين القوم، سائلًا: وماذا عن التوراة، هل أخبرت عن صفته؟ ردّ الراهب: أجل، يا رجل، إنه موصوف.
يا مؤمن، وماذا عن علاماته وصفاته؟
يقال إنه من أرض تهامة، يعرف بين قومه العرب بأحمد ويدعى كذلك محمدًا وياسين، أنجل العينين، بين كتفيه شامة أو خاتم. هو أحب خلق الله إليه.
في ليلة ميلاده، تزدان الجنة بسعتها، ثم يناديها مناد: بشراك اليوم، اهتزي واطربي؛ فإن نبي أوليائك قد ولد، فتبتسم الجنة ضاحكًا، بل لا تفارقها البسمة حتى تقوم الساعة.
يتبع..