أخلاق - ها هو اليتيم بعين الله |35|
ثقافتنا
ها هو اليتيم بعين الله
|35|
مـنـذ لـيـال ثـــلاث، حـطـت الـقـافـلـة رحـالـهـا فــي ســوق دومة الجندل؛ الـلـيـالـي الــثــلاث تـلـك، مـنـحـت الـفـرصـة لـلـمـراكـب والــرجــال؛ كــي يـزيـلـوا عــن الـجـسـم وعــثــاء الـمـسـيـر ويـمـنـحـوه مــن الــراحــة أوفــى نصيب.
- ألا تزور ودا يا محمد!
هــذا مــا لـهـج بــه زيــد بــن عـمـرو مــن بـنـي عــدي، الــذي الـتـحـق بالركب من مكة ببضاعة مزجاة يسيرة. وهو الذي توسم فيه محمد - على صغر سنه - ما لم يتوسمه في الآخرين من التجار.
كان زيد يخلص خلال الطريق إلى نفسه، متأملًا متدبرًا ويزهد فــي الـحـديـث مــا وجــد إلــى ذلــك سـبـيـلا. وقــد سـبـق أن الـتـقـى به محمد في مكة بضع مرات. كان يطوف الكعبة بطريقة خاصة، وينبذ الأصـنـام؛ فانصرف عنه المشركون من أهـل مكة، وولوا عنه الوجه مستهزئين، يسخرون منه، قائلين: «إنه يدّعي البحث عن الحقيقة». لكن، أنى يدعو الآن محمدًا إلى عبادة ذلك الصنم!
انبهت محمد؛ فلم يعد يملك جوابًا لما استشعره من عظيم القرف، إلا أن زيدًا ظن أنه لم يسمعه، فعاد إليه بالسؤال.
أجابه، بجفوة، مقرعًا: لا، لا أزور!
- لكن الـركـب سيشد المطايا ليخف الـيـوم إلـى ود فوجا تلو فوج. كـان محمد على علم بالموضوع؛ فمنذ سويعات نفض العير يــده مـن الـتـجـارة، وأخــذ يـحـزم الـمـتـاع، لـيـنـتـحـي بـه وبـمـا حـمـلـه من الهدايا نحو ربوة استقرت عند حافة المدينة، تتطلع عليها بقلعتها وحصونها الشاهقة من كل جانب. وكـان محمد يعرف أيضًا أن في القلعة معبد ود؛ فـعـمـه سـبـق أن أخـبـره بـذلـك ثـم سـمـع طـفـلاً من دومة الجندل يقول عن ود:
هـو صنم حـجـري كأعظم مـا يـكـون مـن الـكـمـاة، ضخم مديد، بـعـنـق طـويـل ..
يتبع..