أخلاق - ها هو اليتيم بعين الله |36|
ثقافتنا
ها هو اليتيم بعين الله
|36|
اجتاحت محمدًا أسئلة كثيرة، وألحت عليه؛ فتشبث بذهنه بعضها وتـعـلـق: تـرى كيف يعبد الـقـوم أصـنـامًـا صنعتها أيديهم من الحجر والطين والتمر والـعـجـيـن..، بـل كيف رغـبـوا عـن ملة إبراهيم الـنـبـي؛ فانقلبوا إلـى بـئـس الـعـاقـبـة وســوء الـمـصـيـر، لـيـت شعري كيف كانت مناسكه. شريعته. ملته؟
- ِلم لا تزور كما يزورون؟
-ليس لي في ذلك رغبة!
– أحسنت يا ولدي، ليت شيوخ القوم يملكون عقلك.
– أصحيح ما يقال إنك تركت - منذ أمد - عبادة الأوثان؟
-أجل، يا ولدي!
- لماذا؟
- الـتـفـكـيـر.. أجــل الـتـفـكـيـر وطــويــل الـتـدبـر هــو الــذي بـلـغ بي إلـى ذلــك؛ فـأنـا مـنـذ سنين طــوال أجــوب الأقـطـار، أســأل الحكماء، وأستفسر العقلاء، على أمل أن أظفر بجواب.
جـلـس ز يــد عـلـى حـزمـة أمــام مـحـمـد وجـهـًا لـوجـه، وقــال: لقد بصرت بما لو بصر به كل ألمعي لبيب، لَعَزَف هو مثلي عن الأوثان وعبادة الأصنام.
لما رأى زيد انشداد محمد إليه وأنه قد أعاره أذنًا صاغية، قال مثل داعية يهزه شـوق التعليم: كنا على ديـن إبراهيم الحنيف وابنه إسماعيل عليهما السلام وكـان البيت مـطـهرًا مـن الـرجـس والأوثــان والعرب ينثالون على مكة في الموسم، ويخفون إليها من كل حدب بالجزيرة وصوب، آمين البيت الحرام ليؤدوا الحج الإبراهيمي، حتى - تـمـلـك أمـر مـكـة عـمـرو بـن لـحـي عليه اللعنة الأبـديـة رجـل من أشــراف خـزاعـة، عـزيـز بين قـومـه، يطعم الـجـائـع. ويسدد الـديـن عن المسكين الدائن، فهَوَت إليه الأفئدة وأطاعته فيما يأمر، فلما سفه نفسه ألـقـى عليه الـشـيـطـان قـولـه ووســوس إلـيـه وزيـن فـي عينيه أن يـحـرف مـلـة إبـراهـيـم، ويـتـخـذ مـن دونــه ديـنـا، فـقـدم بهُبَل إلـى مكة، ونصبه في الكعبة، ثم حمل أوثانًا سبعا إلى منى، ومكنها في شتى بقاعها.
يتبع..