أخلاق - ها هو اليتيم بعين الله |42|
ها هو اليتيم بعين الله
|42|
كم هام بهذه المدينة حبًا وآثرها بالمودة.. وكم تملكه حنق على أهلها، وخالجه شعور واخز مما باشروه من الشين في الشعائر والعادات.
امتد بصر محمد تلقاء الكعبة، وتـذكـر قصة ذلـك الغريب.. إذ انطلق ذات عصر إلـى الـطـواف، فـإذا حشد قد لاث بكهل نحيل هـزيـل. تـقـدم مـنـه خـطـوات، فـعـرف أنـه مـن زبـيـد، قـدم مـكـة بمتاع، فاشتراها العاص بن وائل من بني سهم، فحبس عنه ّحقه، وأبى أن يدفع له الثمن.
كــان الــزبــيــدي يـطـلـق ألــيــم الــصــرخــات، ويـسـتـغـيـث: يا لقـريـش لـمـظـلـوم بـسـلـعـتـه فــي مـكـة الأمـــان، يــا لـقـريـش لـمـظـلـوم نـائـي الـنـفـر والديار.
اعتلج الهم في صدر محمد؛ فأمعن الفكر وتريث طويل اللحظات، يلتمس حـلاً لهذا العاجز الغريب، الشاحط عن الـدار، فلم يجد بدًا؛ إلا أن يكلم عمه الزبير. فإذا اطلع الزبير على قصته، استدعاه، واستمهله يومًا ليرسل إلى السراة العشر، ويدعوهم إلى دار الندوة ليلاً.
بعض لبّى الدعوة وآخر تنصل ومحمد رافق عمّه إلى النادي.
قص عليهم الزبير حكاية الزبيدي
هـاج من اجتمع ومـاج، وأدلـى كـل بدلوه، فقال لهم الزبير: ما لهذا مترك، فلا بد من حيلة تحول دون التكرار.
صـرخ أحـدهـم، قـائـلاً: حيلة؟ ومـن لـهـذه الحيلة؟ أنـى لنا شم الـرجـال مـن أمـثـال هـاشـم وعـبـد المطلب كـي لا يتجاسر أحــد على البطش بالعجزة الغرباء. لم يحز في الزبير طعنة الرجل، بل قال: منذ أمد بعيد؛ أجيل الذهن أنا أيضًا في حيلة ما، لكن ترى أيجدر بنا أن نلقي اليد أمام المتجاسرين
أرى أن يتحالف من قريش فتيان شجعان ليكونوا مع المظلوم على الظالم.
شاطره أكثرهم الرأي، ورحب محمد بما اقترح كل الترحيب.. قال الزبير: فليفكر ليلته هذه من يريد، وليبلغ من يرغب في الحلف، ليلتحق عصر غدٍ بالنادي. قام عبد الله بن جدعان فأعلن: بداري فليتعاقد الفتية الكماة عقدهم المبارك، وعليّ صنع الطعام.
أثنى عليه الجميع، مؤيدين فـي غـدٍ، اجتمع بـالـنـادي، حيث الميعاد، نفر مـن خـيـرة شبان قريش..
سرعان ما فاض بمكة نبأ ما عرف بحلف الفضول، وأكبر القوم شأن الفتية المتحالفين، وعظموا ما راموا إليه. وفي اليوم التالي، ما إن اشاروا على العاص أن يدفع السلعة حتى انقاد لهم خشية الحلف، فردها إلى الزبيدي.
هنالك تنفس محمد الصعداء، ولاحـت البسمة على شفتيه الحمراء، ثم نهض من مكانه وراح.
لم يكن محمد قد انضم إلى حلف قبل حلف الفضول، فامتلأ بـه رضـا حتى قـال لأبـي طـالـب ذات مـرة: حـلـف مـا أحـب أن لـي به حمر النعم.
يتبع..