أخلاق - ها هو اليتيم بعين الله |47|
ثقافتنا
ها هو اليتيم بعين الله
|47|
الــراهــب مـضـى فــي حـديـثـه، لـكـن مـيـسـرة لــم يـعـد يـلـقـي إلـيـه الـسـمـع، بـل شـرد بـنـظـراتـه، وتـذكـر مـا شـاهـده هـو مـن محمد خـلال الرحلة: قيامه بالليل، عزلته الغريبة، بصيرته، صحة تنبؤاته، صدق رؤياه بعد السيل، كرامة تعامله، حسن خلقه وطهره... تمثل في خاطر ميسرة الطريق، فقد كان - إذا اشتد القيظ - يحلق على رأس محمد كائنان سـمـاويـان، كأنهما البلور؛ فيخيلهما شيئًا أو لا شيئًا. فما كان يدري أيظللانه أم يروحان عليه بمحجوب ما لبث أن استرد ميسرة وعيه، حتى أخذ يبحث عن الراهب ليبث له ما انطوى عليه من السر لكنه لم يجده في مكانه، الـتـفـت مـيـسـرة إلــى مـا حـولـه فــرأى مـحـمـدًا تـحـت الـشـجـرة، والـراهـب واقــف عـنـده ، يـتـحـدث إلـيـه، وقـد خـر بـيـن يـديـه، يـريـد أن يـقـبل مـنـه الـرجـلـيـن، ومـحـمـد لا يـسـمـح لـه بـذلـك بـل يـأخـذ عـضـده بحنان، ويجلسه إلى جنبه؛ ففاضت عين ميسرة دمعًا مما شاهد، ثم وقع بصره على الراهب وهو يحتضن محمدًا، ويضمه إلى صدره متشبثًا ويـضـع رأسـه على كتفه كـأنـه يتيم وجـد أبــاه، فـإذا بـه ينفجر بعبراته المزدحمة في حلقه، وترتعد كاهلاه من العويل والبكاء.
يتبع..