أخلاق - هـا هـو اليتيم بعين الله |56|
ثقافتنا
هـا هـو اليتيم بعين الله
|56|
- أرى أن نـأتـي البيت العتيق مـن الـقـواعـد، هـدمًا ثم نشيد بنيانا جديدًا؛ فالردم ليس هو الحل.
- هو ذاك، يا وليد؛ فقد طال عليه العمر، ولا يقوم أمره بالردم كما تقول.
- علينا رفع الجدران أمانًا من معاودة النهب.
كــان طــول الـبـيـت لـمـا رفــع إبـراهـيـم الـقـواعـد ثـلاثـيـن ذراعـًــا، وعرضه أربعة وعشرين، وله من السمك تسعة أذرع.
ولما جرى السيل تسوّر أحدٌ البناء وسرق ما في البئر، جرى السيل، فرأى الأشياخ أن يزيدوا من سمكها.
في القاعة الممتدة بدار الندوة، انتحى محمد ناحية، مصغيًا لـمـا يـدلـي بـه كـبـار الـقـوم. فـهـمّ أبـو طـالـب بـالـحـديـث عـلـى حـيـن من الجلبة: يبدو أنكم أجمعتم على الهدم والبناء، فلنخض في السبيل إلى ذلك، قبل أن يطول بنا الكلام، فيتأخر العمل ويتأجل.
– حسنا!
- كلام سائغ ومقبول!
- نعم، هذا أفضل، تجنبا الحذر والنزاع.
قـال الـزبـيـر مـن أعـمـام محمد: هـذا شـرف ستناله قـريـش دون القبائل، فعلى يد رجالها لا العبيد والإمــاء، ينبغي أن يقوم الهدم والبناء.
لم يحتج عليه أحد، بل أخذ كلٌّ يومئ برأسه، مؤيدًا إلا محمدا؛ فقد ضاق بالكلام صدرا، إذ تذكر به جدّه، وهو يريد حفر زمزم. قال الزبير: لو أحلنا تقسيم العمل إلى الوليد بن المغيرة، أسن قريش كلها، وننزل جميعًا عند رأيه مذعنين! أعلن الجميع الموافقة؛ فتحكيم الوليد، ذاك المحنك الألــمــعــي، الـــذي يــعــود إلــيــه أمـــر بـنـي مــخــزوم، لا يـحـتـمـل الـجـدل والخلاف. فـإذا مـا سمع الوليد مـا قيل، تخطاهم بنظرة، ثـم التفت إلى أبي طالب، قائلا: أرى ألا نُملي للهدم شرطًا، لكن على الجميع أن يـجـدوا الـجـد فـي البناء على قـرار واضـح مـا.
أليس كـذلـك.. هـا.. ماذا تقولون يا بني عبد المطلب!
- كما تشاء. (أيده الزبير وأبو طالب).
- إذن، إليكم القرار! ِشق الباب لبني عبد مناف وزهرة
حسنا!
– ظهر الكعبة، ما بين الركن اليماني وأساف، لبني جمح وسهم.
- أحسنت!
– شـق الـحـجـر لـبـنـي عـبـد الـــدار وأســد بـن الــعــزى، وعـــدي بن كعب. وما بين الركن طالأسود والركن اليماني لبني مخزوم وتيم، ومن ينضم إليهم من قريش.
–لقد أنصفت يا وليد!
أراد أبو طالب أن يقطع السبيل على الخصام، وعلى الجدال بما لا يرضاه من الرأي والكلام، فبادر إلى القول: للبناء نفقة، وعلى كـل بـطـن حـصـة، وأرى ألا نـدخـل فـي بنائها إلا الـطـيـب الـحـلال من كسبنا. عجت الأصـوات بالتأييد. وارتسمت على شفتي أبي القاسم بسمة فراح قلبه يلهج بالدعاء لعمه. ثم انفضّ الشمل بعد أن اتفق جمعهم على ميعاد مع فجر اليوم التالي في الحرم.
يتبع..