أخلاق - عِبَادِ الرَّحْمَن
ديننا
تأملات في صفاتِ عِبَادِ الرَّحْمَن (الرجبيين)
نعم هم (عباد الرحمن) وبإضافة لفظ (عباد) إلى (الرحمن) تدل أنهم ما صاروا عبادًا لله تعالى إلا برحمة من الله وفضل، فقد خصهم سبحانه برحمته الخاصة فوفّقهم للطاعة ويسّر لهم الخير وثبّتهم على الإيمان والهداية، حتى يُكرمهم بدخول الجنة والنجاة من النار.
ففي الآيات الكريمات من خواتيم سورة الفرقان، يصف الله عز وجل عباده الذين شرفهم بنسبتهم إليه، فلنتأمل قوله تعالى:
وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ [الفرقان:63].
وقد وصفهم المولى (عزّ وجلّ) بصفات متعددة: فوصف نهارهم
الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا [الفرقان:63]، أي بسكينة ووقار من غير تجبّر ولا استكبار، حيث أوجبت لهم عبادتهم لربهم (الرحمن) أن يتواضعوا وظهر ذلك عليهم.
وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا
وهذه الصفة لا يستطيعها إلا خيرة الخَلقِ وصفوتهم، حيث إننا نجد مَن (إذا خاطبهم الجاهلون قالوا قولًا أجهل منه) هدانا الله وإياهم، أما عبادُ الرحمن فهم يقولون قولًا يسلمون فيه من الأذى والشر ويدفعونه بالتي هي أحسن.
ووصف ليلهم: وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا [الفرقان:64]
فمن رحمته تعالى بهم أن وفقهم لهذا البيات والقيام في ليالي رجب المباركة.
إذا ما الليل أقبل كابدوه فيسفر عنهم وهم ركوع
أطار الخوف نومهم فقاموا وأهل الأمن في الدنيا هجوع!
وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا. إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا [الفرقان:66،65]
ومن رحمته تعالى أن وفقهم للاستعاذة من جهنم وهذه رحمة خاصة، لأنهم يعلمون أن هذه الحياة قصيرة فهي أقصر حياة وأن الآخرة هي الباقية، فآثروا الباقي على الفاني، وحرصوا كلَّ الحرص على البعد عن كلِّ ما يقربهم إلى جهنم..
وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا ]الفرقان:67 [.
ومن رحمته سبحانه أن وفقهم إلى الوسطية.. لا إفراط ولا تفريط.. وإنما والاعتدال بلا إسراف ولا تقصير في الإنفاق ووفقهم للإنفاق الواجب والمستحب.
فالمؤمن أمين على مال الله عز وجل.. أي أنفقوا من مال الله عز وجل الذي آتاكم، فهذا المال مال الله، وعرفوا أن عليهم أن ينفقوا بالكيفية التي أمرهم الشرع بها.
وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ.
هم يناجون ربهم بالأدعية الرجبية الخاصة بتوسل ويقين بأنه هو المجيب لدعواهم وحده لا شريك له.
فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا . وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا
]الفرقان:70،71 [
وهذه من أفضل وأعظم خصوصيات هذا الشهر الفضيل حيث تُصبّ الرحمة على الرجبيين المستغفرين صبّا فلا تُغفر الذنوب فيه فحسب! بل يُبدل المولى الكريم سيئاتهم بأضعاف مضاعفة من الحسنات..
وَالَذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا [الفرقان:73]
ومن صفاتهم كذلك أنهم قرأوا من آيات الله في أيام رجب ولياليه ولم يمروا عليها مرور الكرام!.. بل أكبوا عليها سامعين بآذان واعية وتتدبر..
وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا [الفرقان:74]،
والذين يدعون ربهم لأزواجهم ولأولادهم بل لذريتهم كذلك قائلين (ربنا نسألك بأن تجعل أزواجنا وكل من يقارننا ويصاحبنا ويدخل في ذلك الأصحاب والأزواج قرة أعين) عندما نراهم في طاعة الله تعالى، واجعلنا قدوة في الخير قولًا وعملًا..
أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا . خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا [الفرقان:76، 75]
(الغرفة هي الدرجة العالية في الجنة).
أي يجزون بها على صبرهم على العبادة المتواصلة في هذا الشهر الكريم من صيام وقيام وطاعة..
واجتناب المحظورات ولأنهم في الدنيا سَلِم الناسُ من أذاهم وتحملوا أذية الناس لهم، جازاهم الله سبحانه بأن لا يُسمعهم في الجنة إلا ما يُسلِّمهم.
وهذه هي بعض من صفات عباد الله المخلصين الرجبيين المتقين العابدين.
فإذاً إنه من المناسب للمؤمن في هذا الشهر الفضيل وفي غيره من الشهور، أن يحقق هذا الإرتباط الذي يعطيه وزناً وقيمة عند الله سبحانه وتعالى.
جعلنا الله وإياكم من عباد الله المخلَصين وتقبل الله أعمالنا وأعمالكم بقبول حَسَن.. إنه سميع مجيب.