أخلاق - هل ارتديت الثوب المناسب؟ |3|
ديننا
هل ارتديت الثوب المناسب؟
|3|
ماذا بوسع الغافل أن يفعل؟
وكيف يمكنه أن يخرج من ثوبه الملطّخ بالأدران؟
عندما يلتفت إلى أنه في ضيافة الرحمن، وأنه ليس منسجماً مع جوّ الضيافة الإلهية، ويشعر بالخجل، ويحمله هذا الخجل على دراسة تقصيره، تماماً كما يحدث للإنسان الذي يلتفت إلى أنه في حفلٍ يرتدي ثياباً مشينة.
إنه أولاً، يلتفت إلى وضعه بشكل إجمالي، ثم يدقق ليرى ما هي الأخطاء في وضعه، كذلك بالنسبة للغافل في هذه الضيافة الإلهية، فعندما يلتفت إجمالاً إلى وضعه وأنه ليس كما ينبغي، يجب عليه أن يدرس أخطاءه، أن يتناول نفسه فيضعها على طاولة البحث والتشريح والدراسة بدقة ليعرف من أين أُتِي ويعرف نقصه، والخلل في اقتناعاته وأعماله، ويعرف أخلاقه السيئة. ثم يجدّد التوبة إلى الله عز وجل.
ولكن، أيُّ توبة؟
هل المراد كلمات "أستغفر الله وأتوب إليه" والبقاء على ما هو عليه؟ وهل هذا إلا إصرار على الذنب بل عين الاستهزاء بالله عز وجل؟
إن المطلوب منّا أيها الحبيب أن تكون التوبة حارّة، فاعلة، من الأعماق، أرأيت إلى الأم المفجوعة بولدها، هل تحتاج إلى من يعلّمها كيف تندب، وتلطم، وتتفجّع على ابنها، أم أنها من شدّة اضطرام نار الحزن في أعماقها تصبح معلِّمة لغيرها في باب التفجُّع والنّدب واللّطم.
من يغضب تظهر عليه آثار الغضب، بمقدار غضبه يكون التعبير عنه، ويصل به أحياناً إلى حدٍّ أنه يلطم على رأسه. من يتأثّر بشيء يظهر عليه ما يدلّ على ذلك، وقد يبلغ تأثّره حداً يدعوه إلى العمل بما يعبِّر عنه بكل وضوح.
والتوبة التي نحن بصدد الكلام عنها، من هذا النوع والّتي تناولناها، ليست عبارة عن كلمات "أستغفر الله ربي وأتوب إليه" فقط، بل أن يطول الندم على ما فرّطنا في جنب الله، فنقول من أعماق الأعماق، بل تقول شغاف القلب:
"ويْلي كلما طال عمري زادت معاصي، ويلي كلما كبُر سنّي كثرت ذنوبي، فكم أتوب وكم أعود، أمَا آن لي أن أستحي من ربي".
التوبة التي نحن بصدد بيانها هي التعبير عن الندم بفعلٍ نفعله، ببكاء، بتنهُّد، بحرقة من الأعماق، بالكآبة التي تعلو الوجه، بالهمِّ الذي يحمله التائب.
بمقدار ما تكون نار الحزن مضطرمة في القلب وبين الأضلع والحنايا، تكون هذه التوبة صادقة، وبمقدار ما تستطيل ألسنة هذا اللهب المتصاعدة والمتطايرة شرراً، تكون قدرتها على تطهير القلب من أدران المعاصي، وإحراق آثارها وإزالة الرَّين، وإزالة الطبع، وإعادة صقل هذه النفس وصياغتها من جديد، لترجع نقية بيضاء كما أرادها الله عز وجل وكما خلقها.