تباشير المساء -12-
تباشير المساء -12-
الحلقة الثانية عشرة
توالت الأيام،وتبدّلت الأحوال.
المصحف في جانبالسرير، يتلو آياته بعد أداء الفرائض.
يفتح التلفازمستنجدًا ببضع قنوات اختارتها أمه لتجعلها مرجعًا يعينها على وظائفها المنزليةورونقًا لآذانها وقلبها.
كانت تحسن الاختيار،فهي صاحبة فكر ممنهج، وحدَوية التفكير، ولائية الخط.
بحديث مبارك ينزل علىالقلب بكلماته العذبة استمع للمحاضر منصتًا حيث قال:
عن أبي حمزة عن عليبن الحسين عليهما السلام قال:
سمعته يقول:
"إذاكان يوم القيامة جمع الله تبارك وتعالى الأولين والآخرين في صعيد واحد، ثم يناديمنادٍ: أين أهل الفضل؟
قال: فيقوم عنق من النّاس فتلقاهم الملائكةفيقولون: وما كان فضلكم؟
فيقولون: كنّا نصل منقطعنا ونعطي من حرمنا ونعفو عمن ظلمنا،
قال: فيقال لهم:صدقتم ادخلوا الجنة".
وبدأ يشرح هذا القولالمتشعّب الخيرات والبركات من صلة الرحم والبذل على الفقراء والمساكين والعفو.
فشعر بطمأنينة.
أوليس هو من شاركبالأمس القريب بمأدبة الإمام المجتبى عليه السلام؟
أوليس هو من تصالح معنفسه ومع الجيران حينما شارك كل المشاركة بتأبين ابنهم وواساهم بفقده؟
ولكن، تلمّس ضرورةإتمام الحديث بصلة الرحم.
جدته تشتاق إليه، فهيلا تبرح تسأل عنه، عمومته وأخواله، خالاته وعمّته الوحيدة. ولعمّته خصوصيّة فيصلته بها، فهي التي أشرفت على تربيته في مرحلة الطفولة حينما مرضت والدته لأيام،وهي التي كانت تدخر المال لتشتري له كل ما يحب، وهي التي كانت صاحبة الفضل فيمتابعته لتعليمه، وله معها ذكريات جميلة ووفيرة. وهو، خلال الأعوام الثلاثالأخيرة، لم يكلّف نفسه جهدًا برفع الهاتف للاطمئنان عنها وقد عايشت أيامًاصعبة وهي تصارع مرضًا عضال.
الليلة فقط، استفاقمن سباته، وقرّر أن يزورها، وهدفه تجاري بحت، وإن كانت التّجارة مع الله ولله.
جهّز نفسه، وعندالمساء، حمل الحلوى الرّمضانية التي تحب وسار نحوها ليتبرّك بزيارتها متممًا الحديثالشريف بصلة الرحم. عاد من زيارته مرتاح البال، مغمورًا بالمحبة التي أفاضتها عليهمع سيل من الدعاء ولن تحسبه قاطعها وعاد بعد طول غياب، طالما أنها كانت تنظره بعينالقلب.