نفحات عطرة -8-
نفحات عطرة
-8-
"أيهاالناس إن أنفسكم مرهونة بأعمالكم ففكوها باستغفاركم وظهوركم ثقيلة من أوزاركمفخففوا عنها بطول سجودكم واعلموا أن الله تعالى ذكره أقسم بعزته أن لا يعذبالمصلين والساجدين ..."
أيها الصائم تذكردائمًا قول رسولك الأكرم
السجود..السجود
إن هناك حركة منالمناسب أن يتنبّه لها المؤمن، سواء كان في المسجد أو كان في المنزل.. فمن يقدمعلى هذه الخطوة، يصبح مدمنًا عليها، أي الإدمان الروحي، والإدمان التكاملي، فيحركة من الحركات!..
السجود..السجود
إن هذه الحركة هيالتي كانت مصدر أنس لأئمة الهدى (عليهم السلام) وهم في سجون الظالمين.. فالإمامموسى الكاظم (عليه السلام) شكر الله -عز وجل- على نعمة السجن، لأنه أصبح في خلوة..وذلك لأنه إمام طرح نفسه لقيادة الأمة وهدايتها، ولكن الناس أعرضوا عنه، وجاءالحاكم الظالم وأودعه السجن؛ فسقط التكليف الاجتماعي عنه، وتفرّغ لعبادة الله عزوجل.
إن السجدة بالنسبةللأولياء والصالحين، ليست مجرد دقائق وسويعات، بل لعلهم كانوا يمضون بعض لياليهمفي السجود.. حيث أن من أفضل موجبات الاطمئنان، هو الذكر في حال السجود.. وهو قولالإمام أبي الحسن الرضا عليه السلام : "أقرب ما يكون العبد من الله عز وجل،وهو ساجد".. فالسجود هو أشرف حركة بدنيّة، وذلك لأسباب منها:
أولًا: لأن الإنسانيكون منبطحًا على الأرض.. فالواقف شامخٌ بأنفه، والراكع نصف التكبّر خلق منه.. أماعندما يسجد فإنه يتكوّر، ولعل أصغر حجم لبني آدم يكون أثناء السجود.. وقد ذُكر أنرسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يسجد باكيًا في إحدى لياليه ويقول: "سجدلك سوادي وخيالي، وآمن بك فؤادي، هذه يداي وما جنيته على نفسي، يا عظيم اغفر ليالذنب العظيم فإنه لا يغفر العظيم إلا العظيم.."
ثانيًا: إن رأسالإنسان عادة ما يرمز إلى: العظمة، والتكبر، والكبرياء، والعلو، وهو في البدن يمثلالقيادة.. فيلاحظ أن هذا الرأس في السجود، يتطأطأ أمام رب العالمين سجودًا.. وكذلكفإن أشرف بقعة في الرأس -الموضع الذي يحاذي المخ، وهو مكان التفكير- هي الجبهة-وهذه الجبهة المحاذية لأشرف بقعة في الجسم على الإطلاق، وهو المخ المفكر- يلاحظبأنها تلتصق بأرخص بقعة في الوجود، ألا وهو التراب.. فيجعل الرأس والجبين أشرفبقعة في الرأس، يوضعان على أرخص بقعة في الأرض وهو التراب.
إذن، إن الحركة هي بنفسها تواضعية.. بعض الناسيصلي صلاة الليل، وعندما ينتهي يسجد وينام في سجوده، فيكون جسمه في الأرض، وروحهفي السماء.. هذا العبد يباهي الله -تعالى- به الملائكة، لأنه لم يلزمه بشيء، بل هوألزم نفسه..
إن تذوق السجدة منألذ لذائذ العيش عند أهلها.. وعليه، فإن السجود عملية مباركة.. ولكن ماذا نقول فيالسجود؟..
إن أفضل ذكر هو الذكراليونسي، الذي لم يفارق الأولياء والصالحين طوال التاريخ: {لّا إلَهَ إلاَّ أَنتَسُبْحَانَكَ إنّي كُنتُ منَ الظَّالمينَ}.. هذا الذكر عجيب، جامع لمعانٍ عظيمة،منها:
{لّا إلَهَ إلاَّ أَنتَ}، هو سيد الأذكار.. لميقل: (لا إله إلا الله)؛ لأن الإنسان عندما يكون قريبًا من المخاطب، يخاطبهمباشرة، يقول: يا رب، أنا أخاطبك أنت مباشرة.
{سُبْحَانَكَإنّي كُنتُ منَ الظَّالمينَ}؛ تنزيه.. أي أن ما حصل، لم يكن جزافًا!.. بل أنا الذيظلمت نفسي، فأوقعت نفسي ببطن الحوت.. وأنا الذي ظلمت نفسي، فأوقعت نفسي في الكآبةالمزمنة.. وأنا الذي ظلمت نفسي، فكتبت عاقبتي.. وعليه، فإن هذا الذكر فيه اعترافجميل!..
إن القرآن الكريم لميذكر أن يونس عليه السلام قال هذا الذكر مائة مرة، لعله ذكره مرة واحدة، ولكنبحالة يونسيّة.. فهنيئًا لمن ذكر الذكر اليونسي بحالة يونسيّة، ولو مرة واحدة فيعمره؛ عندها يرى الأعاجيب!..
اللهم اجعلنا لك منالذاكرين...
لك من الساجدين...
لك من المحبيّن...
لك من الخاشعين...
اللهم أدّ عنا حق مامضى
من شهر رمضان واغفرلنا تقصيرنا فيه... واكتبنا فيه من المرحومين ولا تكتبنا من المحرومين