الهي مَنْ ذَا الذي ذاقَ حَلاوَةَ مَحَبتكَ فَرامَ منْكَ بَدَلاً
معالي المناجاة
شرح مناجاة المحبين
"الهي مَنْ ذَا الذي ذاقَ حَلاوَةَ مَحَبتكَفَرامَ منْكَ بَدَلاً".
من المقامات العاليةالتي يبحث عنها الحكماء ويسرع إليها الراغبون في الله تعالى هو مقام المحبينالعاشقين لله تعالى.
فهنا الشعور المسبقالذي يقدمه الإمام عليه السلام لإيصال الحال في مقام المحبين لله فيبين أمرينمتلازمين:
الأول: إن المستحقالوحيد للحب هو الله تعالى لأنه أهل لذلك فهو القادر على تحقيق الأماني الروحانيةالعالية كالكون في الجنة والعيش مع المعصومين عليهم السلام.
الثاني: إن من يريدأن يعرف وجود الحب في نفسه هل يجد في نفسه موجودًا آخر غير الله تعالى!! فإن وجد،فلا حب لله في قلبه لأن حب الله تعالى يملك القلوب إلا إذا كانت النظرة قاصرة إلىغير حقيقة توجهت إلى الله تعالى!!
وَمَنْ ذا الذي أَنسَبقُرْبكَ فَابْتَغى عَنْكَ حوَلاً..
(استفهاماستنكاري)
أي أنه كيف لمن شعربالأنس حينما اقترب منك أن يتغير ليأنس بغيرك ‼
إلهي فَاجْعَلْنا ممناصْطْفَيْتَهُ (اخترته) لقُرْبكَ وَولايَتكَ وَأَخْلَصْتَهُ (أي استخلصته) لودكوَمَحَبتكَ وَشَوقْتَهُ إلى لقائكَ وَرَضيْتَهُ بقَضائكَ وَمَنَحْتَهُ بالنظَر إلىوَجْهكَ وَحَبَوْتَهُ برضاكَ، وَأَعَذْتَهُ منْ هَجْركَ وَقَلاكَ..
هنا الإمام يشير إلىمعنى مهم، إن البعد عن الله تعالى مقام لا بد أن يتعوذ الإنسان منه لأن معناهالوحدة والغربة واليأس والفقر من رحمة الله "جل وعلا". ولقد رأينا أنالله تعالى خاطب نبيه في سورة الضحى:
"ما ودعك ربك وما قلى، والآخرة خيرٌ لك منالأولى..."
فالهجر هو التركوالإبعاد والطرد من رحمة الباري عز وجل..
لقد استخدم الإمام(عليه السلام) في هذا المقطع صيغة استفهامية تقريرية تشير هي نفسها بحقيقة الجواب،فيمسي من نافل القول أن نقرر أن من ذاق حلاوة محبة ذاك الحبيب، فإنه لن يروم منهبدلاً، ومن أنس بقربه فلن يبتغيَ عنه حولاً...
وهذه العبارات تضعنا في حضرة معشوق متفرد، بَهيالحضور، مطلق الجاذبية، بحيث لا يكاد المرء أن يتذوق رشحة واحدة من رشحات فيض محبتهحتى يغدو أسيرها، فيغلقَ حينئذ باب قلبه عن جميع الأغيار، ولا يبقي في الدار غيرهذا الحبيب...
ولا مريَة في أن هذهالمناجاة قد استطاعت أن تعبر خير تعبير عن الإحساس بمبدأ الوجود وعن الامتلاءبمحبته، حيث تسنى لها أن تُفصح بأجمل بيان عن أحلى حالات العشق، وعن أقصى مراتبالهيام بالحبيب.