سُبْحانَكَ ما اَضْيَقَ الْطرُقَ عَلى مَنْ لَمْ تَكُنْ دَليلَهُ
معالي المناجاة
شرح مناجاة الراجين
"سُبْحانَكَ مااَضْيَقَ الْطرُقَ عَلى مَنْ لَمْ تَكُنْ دَليلَهُ، وَما اَوْضَحَ الْحَق عنْدَمَنْ هَدَيْتَهُ سَبيلَهُ، الـهي فَاسْلُكْ بنا سُبُلَ الْوُصُول الَيْكَ..."
صورة أخرى من صورالشوق والأُنس في أدعية الإمام زين العابدين "عليه السلام" ففي البدءيطلب الإمام من الله أن يأخذ بيده ويسلك به سبل الوصول إليه وهو خلاصة ما في هذاالدعاء، وأجل ما فيه من المطالب. فلا يطلب الإمام عليه السلام في هذا الدعاء منالله تعالى دنيا ولا آخرة "مع أنه طلب مشروع يحبه الله"ولكنه يطلب القرب،والوصول والجوار، في مقعد صدق عنده تعالى، مع الأنبياء والشهداء والصديقين.
في هذه القطعةالجليلة من جلائل المناجاة، رائعة من روائع أدب الدعاء...
في الدعاء والتضرع والحب، صادرة عن قلبٍ والهٍبحب الله، مشتاق إلى لقاء الله، وهي تستحق الكثير من التأمل والوقوف...
فيقول الإمام "عليه السلام" (سبلالوصول) بصيغة الجمع، فلا يقول: (سبيل الوصول) بصيغة المفرد، ذلك لأن (الصراط) إلىالله تعالى واحد لا يتعدد، ولم يذكر القرآن إلا صراطاً واحداً..قال تعالى:"اهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين"وقالتعالى: "والله يَهْدي مَن يَشَاء إلى صراطٍ مستقيم"
وأما (السبيل) فقدورد بصيغة الجمع في الحق والباطل في القرآن كثيراً منها: قال تعالى: "يهدي بهالله من اتبع رضوانه سُبُل السلام"وقال تعالى: وَلاَ تَتبعُواْ السبُلَفَتَفَرقَ بكُمْ عَن سَبيله"
فقد جعل الله تعالىللناس إليه سبلاً كثيرة يسلكونها إليه وقد اشتُهر "إن الطرق إلى الله بعددأنفاس الخلائق" على لسان العلماء وكل هذه الطرق والسبل تجري على صراط اللهالمستقيم، ولكن جعل الله تعالى لكل إنسان طريقاً يعرف به ربه، ويسلكه إليه.
فمن الناس من يسلكإليه سبيل العلم والعقل، ومنهم من يسلك إليه سبيل القلب والفؤاد، ومن الناس من يعرف الله بالتجارةوالتعامل مع الله، وإن من أفضل السبل أن يتعرف الإنسان على الله من خلال التعاملالمباشر مع الله والأخذ والعطاء. قال تعالى: "يَا أَيهَا الذينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلكُمْعَلَى تجَارَةٍ تُنجيكُم منْ عَذَابٍ أَليمٍ"
فيطلب الإمام"عليه السلام" هنا من الله تعالى أن يسلك به سبل الوصول إليه، لا سبيلاًواحداً، فكلما سلك الإنسان إلى الله تعالى مسالكًا وسبلاً أكثر كان وصوله إلى جوارالله وقربه أوكد وأقوى وأبلغ.