الذين صفيت لهم المشارب
معالي المناجاة
شرح مناجاة الراجين
"...الذينصفيت لهم المشارب، وبلغتهم الرغائب، وأنجحت لهم المطالب، وقضيت لهم من فضلكالمآرب، وملأت لهم ضمائرهم من حبك، ورويتهم من صافي شربك فبك إلى لذيذ مناجاتكوصلوا.."
فما هو هذا الشرابالصافي الطهور الذي يسقيهم ربهم في الدنيا؟
وأي إناء هذا الإناءالذي يكلأه الله من حبه؟
إن هذا الشراب الصافيهو شراب((الحب)) و ((اليقين)) و ((الإخلاص)) و ((المعرفة)).
والإناء هو(((القلب)))
وقد رزق الله تعالىالإنسان أوعية كثيرة للمعرفة واليقين والحب، ولكن ((القلب)) هو أعظم هذه الأواني جميعاً وأوعاها.
فإذا صفى الله تعالىلعبده شرب قلبه، وسقاه شراباً صافياً طهوراً، كان عمله وكلامه وعطاؤه أيضاً صافياًونقياً مثل شرابه.
فإن بين واردات القلبوصادراته تشابهاً ومسانخة. فإذا كانت واردات القلب نقية صافية، من نمير نقي عذب،كانت صادرات القلب تشبهها، فيكون فعل العبد، وكلامه، ورأيه، وأخلاقه، وموقفه،وعطاؤه صافياً عذباً.
وإذا كانت وارداتالقلب قذرة أو مشوبة بالقذارة مما يوحيه الشياطين إلى أوليائهم، كانت صادرات القلبلا محالة تشبهها من كذب ونفاق وشح وإعراض عن الله ورسوله.
يقول الله تعالى عنخليله ونبييه إبراهيم وإسحاق ويعقوب:
﴿وَاذْكُرْ عبَادَنَا إبْرَاهيمَ وَإسْحَقَوَيَعْقُوبَ أُوْلي الْأَيْدي وَالْأَبْصَار * إنا أَخْلَصْنَاهُم بخَالصَةٍذكْرَى الدار * وَإنهُمْ عندَنَا لَمنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَار﴾.
وإن هذا الوصف الجليلالذي يصف الله تعالى به عطاء هؤلاء الأنبياء الكبار، وهو القوة والبصيرة:﴿الْأَيْدي وَالْأَبْصَار﴾ هو نتيجة هذا الشرب الخالص الذي آتاهم الله تعالى: ﴿إناأَخْلَصْنَاهُم بخَالصَةٍ ذكْرَى الدار﴾.
ولولا أن الله تعالى أخلصهم بهذه الخالصة منذكرى الدار، لم (تكن لهم قوة ولا بصيرة) إذن لكي يصفو عمل الإنسان لا بد من أنيصفو شربه، والقلب يعطي ما يأخذ.