علائم محبة الله
عشق المعبود
نور بلا حدود
ثامنًا: علائم محبة الله
محبة العبد لله ـ سبحانه ـ لها علامات:
1 أن يحب لقاءه بطريقالمشاهدة والعيان في دار السلام، ولتوقفه على الموت يحب الموت ويتمناه، إذ كل منيحب شيئاً يحب لقاءه ووصله، وإذا علم أنه يمتنع الوصول إليه إلا بالارتحال منالدنيا بالموت لأحب الموت لا محالة.
قال بعض الأكابر: "لا يكره الموت إلا مريب، لأن الحبيب لا يكره لقاء الحبيبعلى كل حال".
ومن يكره الموت، فإن كانت كراهته له لحب الدنيا والتأسف على فراق الأهل والأولادوالأموال، كان حبه للدنيا وتأسفه على مفارقتها في غاية الكمال لحب الدنيا، فمثلهذا الحب للدنيا ينافي كمال حبّ الله، لأن الحب الكامل هو الذي يستغرق كل القلب،ولا يبعد أن تكون معه شائبة ضعيفة من حب الله.
وإن كانت كراهته للموت لأجل الاستعداد والتهيؤ للقاء الله، ومشاهدته بتحصيل زيادةالعلم والعمل، لا لحب الأهل والمال، ولا للتأسف على فراق الدنيا، فهو لا يدل علىضعف الحب ولا ينافي أصله، وهو كالمحب الذي وصل إليه خبر قدوم حبيبه، فأحب أن يتأخرقدومه ساعة ليعمر داره ويفرشها ويهيء أسبابها، ليلقاه فارغ القلب عن الشواغل.
وعلامة ذلك: الجد في العمل، واستغراق الهمّ في تحصيل المعرفة، والاستعداد للآخرة.
2 أن يؤثر مراد الله -سبحانه ـ على مراده، إذالمحب لا يخالف هوى محبوبه لهوى نفسه.
فمن كان محباً لله: يمتثل أوامره ويجتنب نواهيه، ويحترز عن اتباع الشهوات، ويدعالكسالة والبطالة، ولا يزال مواظباً على طاعته وانقياده، ويكون مبتهجاً متنعماًبالطاعة ولا يشغلها، ويُسقط عنه تعبها.
3 ألا يغفل عن ذكر الله ـ سبحانه ـ، بل يكون دائمامستغرقاً بذكره، إذ من أحب شيئاً أكثر ضرورة ذكره وذكر ما يتعلق به، فمحب الله لايخلو عن ذكر الله وذكر رسوله وذكر القرآن وتلاوته، لأنه كلامه، ويكون محباً للخلوةليتفرد بذكره وبمناجاته، ويكون له كمال الأُنس والالتذاذ بمناجاته.
4 ألا يحزن ولا يتألم عن فقدشيء، ولا يفرح بوجود شيء، سوى ما يقر به إلى الله أو يبعده عنه: فلا ينبغي أن يحزنويجزع في المصائب ولا يسر بنيل المقاصد الدنيوية، ولا يتأسف على ما يفوته إلا علىما فات منه من طاعة مقربة إلى محبوبه، أو على صدور معصية مبعدة، أو على ساعة خلتعن ذكر الله والأنس به.
5 أن يكون مشفقاً رؤوفاً على عباد الله، رحيماًعلى أوليائه، وشديداً على أعداء الله، وكارهاً لمن يخالفه ويعصيه، إذ مقتضى الحبالشفقة والمحبة لأحباء المحبوب والمنسوبين إليه، والبغض لأعدائه ومخالفيه.
6 أن يكون في حبّه خائفاً متذللاً تحت سلطانالعظمة والجلال، وليس الخوف مضاداً للحب، كما ظن، إذ إدراك العظمة يوجب الهيبة،وإدراك الجمال يوجب الحب، ولخصوص المحبين خوف الإعراض، وخوف الحجاب، وخوف الإبعاد،وخوف الوقوف، وسلب المزيد.
نعم الله هو المستحق لأصل المحبة وكمالها، ولا متعلق للمحبة إلا هو، إلا أنه لا يعرفذلك إلا العارفون من أوليائه وأحبائه، كما قال سيد الشهداء (عليه السلام) في دعاء عرفة:" وأنت الذي أزلت الأغيار عن قلوب أحبائك، حتى لم يُحبّوا سواك، ولم يلجأواإلى غيرك".