مكتبة أشهر النور - دعاء شهر رجب "خاب الوافدون على غيرك" (الجزء الأول)
دعاء شهر رجب
"خاب الوافدون على غيرك"
(الجزء الأول)
يأتي شهر رجب الأصب في مقدمة أشهر النور المباركة كي يوقظ القلب الغافل والساهي عن الله عز وجل ويعيد توجيه بوصلته نحو طريق لقائه تعالى.
والسالك على هذا الطريق لا بد له قبل الشروع بالمسير أن يتخذ قراره ويحزم أمره بترك منزل قلبه الدنيوي، بما فيه من خطايا وذنوب وتعلقات ورغبات، وأن يشد رحاله نحو الله بالصوم والصدقة والتوبة والاستغفار والدعاء.
ولعظيم محبة الله ورأفته بعباده، أنه بعث إليهم أولياءه الكُمّل ليضيؤوا لهم الطريق ويكشفوا لهم بنور عصمتهم وطهارتهم أسرار هذا المسير الإلهي.
فخصوصية الدعاء على لسان المعصوم الكامل، أنه إنسان حوى بقلبه جميع عوالم الوجود، فانقلبت له بواطن عالم الملكوت إلى ظاهر متجلٍّ في وجوده المقدس.
والإمام الصادق (عليه السلام) هو أحد المعصومين الذين اطلعوا على مكامن الأسرار واللطائف الغيبية لشهر رجب، فأظهر وتفاعل مع هذا العلم من خلال الدعاء الذي بين أيدينا "خاب الوافدون على غيرك".
المقطع الأول: خاب الوافدون على غيرك، وخسر المتعرضون إلا لك، وضاع المُلِمّون إلا بك، وانجدب المنتجعون إلا من انتجع فضلك".
سرّ هذا المقطع أنه يظهر للعبد أصلًا مهمًا وأساسيًا من أصول التوحيد، وهو أصل الربوبية:
فهل يوجد في هذا العالم من يمكنه أن يعطيك ويرزقك ويعينك ويعطف عليك، إن لم يشأ رب الأرباب ذلك؟
"قُلِ ٱدْعُواْ ٱلَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ ۖ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍۢ فِى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَلَا فِي ٱلْأَرْضِ" (سبأ 22).
وهذا الإعتراف بربوبية المولى تعالى يترك آثارًا عظيمة في قلب المؤمن، منها:
● تحصيل حالة من التوكل والرضا والتسليم والقناعة، فلا يطلب إلا من الله، ولا يشكر إلا لله، وإن مُنع فلا يجزع بل يرضى ويثق ويطمئن بتدبير الله.
● يتمتع بقوة روحية عالية تتناثر معها كل تعلقاته بالمخلوقين، بحيث أنه لو خُذل من جميع أهل الأرض، فهو لا ييأس ولا يُحبَط لأنه دائم الاتصال بفيض الله المطلق ومسلّمٌ أمره إليه.