www.tasneem-lb.net

مكتبة أشهر النور

أشهر النور - المناجاة الشعبانيّة |2|

المناجاة الشعبانيّة

|2|

 

ذكر الإمام زين العابدين (عليه السلام) نهجًا عمليًا للعباد الحقيقيين في بداية المناجاة الشعبانية، وبدأ بتحضير الداعي لرعاية آداب الدعاء، والاستعداد اللازم لورود عتبة اللطف الإلهي عبر التزوّد بنوع خاص من التأدّب في محضر الله.

فبعد أن يدعو الإنسان الله ليسمعه ويقبل دعوته، يتوجّه الداعي إلى الله كونه الملاذ الآمن من جميع ما يهرب إليه، من الخوف والقلق، من نفسه الأمّارة بالسوء، من ذنوبه وأعدائه. وهذا الفرار هو فرار روحي وقلبي ومعنوي من الأسفل إلى الأعلى في حركة صعوديّة اضطراديّة تزداد صعوبة كلّما اخترق المرء منزلًا من منازل السير نحو الله، كما تزداد جاذبية ورونقًا نحو المتعال. وهذا الصعود يشبه تسلق الجبال حيث يصعب طريق الوصول كلّما شدّ الإنسان نحو الأعلى، فتعب جسده إلّا أن روحه تاقت نحو الوصول أكثر.

 

ثمّ يقف الإنسان مستكينًا متضرّعًا بين يدي الله سبحانه وتعالى، كذلك المريض الذي يكاد أن يلفظ أنفاسه الأخيرة في حالة انكسار وتضرّع يرجو ما عند الله من خلاص وأمل في النجاة؛ فيرى نفسه على حقيقتها من نقص وضعف وحاجة، ويعرف أنّ الله يعلم ذلك الضعف، ويخبر حاجته، ولا يخفى عليه أمره، وما يريد أن يتلفّظ به من منطق.

وفي كلّ ذلك اعتراف أمام الله بأنّه تعالى مطّلع على خفايا أموره، فلا يمكن التلاعب معه وتغافله كما يفعل مع الأشخاص العاديّين أمثاله "فَقَدْ هَرَبْتُ إِلَيْكَ وَوَقَفْتُ بَيْنَ يَدَيْكَ مُسْتَكِيناً لَكَ مُتَضَرِّعاً إِلَيْكَ راجِياً لِمَا لَدَيْكَ ثَوَابِي وَتَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَتَخْبُرُ حاجَتِي وَتَعْرِفُ ضَمِيرِي وَلا يَخْفَى عَلَيْكَ أَمْرُ مُنْقَلَبِي وَمَثْوايَ وَما أُرِيدُ أَنْ أُبْدِىءَ بِهِ مِنْ مَنْطِقِي وَأَتَفَوَّهَ بِهِ مِنْ طَلِبَتِي وَأَرْجُوَهُ لِعاقِبَتِي وَقَدْ جَرَتْ مَقادِيرُكَ عَلَيَّ يا سَيِّدِي فِيما يَكُونُ مِنِّي إِلَى آخِرِ عُمْرِي مِنْ سَرِيرَتِي وَعَلانِيَتِي وَبِيَدِكَ لا بِيَدِ غَيْرِكَ زِيادَتِي وَنَقْصِي وَنَفْعِي وَضَرِّي"ذلك الخطاب الذي يجري على لسان العبد ليس لسان البرهان والاستدلال والجدال، بل هو لسان العاشق لمعشوقه، لسان حال من الدلال كطفل يتدلّل على أمّه، ويعلم أنّها تسمع كلّ حرف من حروفه، وتتحسّس كلّ حركة وسكنة من سكنات قلبه.

يتبع..


تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد