www.tasneem-lb.net

مكتبة أشهر النور

أشهر النور - المناجاة الشعبانيّة |7|

المناجاة الشعبانيّة

|7|

 

إنّ من لوازم الإيمان وجود رابطة خاصّة مع الله تعالى. فالله تعالى هو الخالق والمدبّر الذي يفيض بعنايته على جميع خلقه، فيعطي لخير، ويمنع لخير. إلّا أن هناك بعض الأشخاص الذين هم على مرتبة أعلى من العطاء، هم أهل ولاية وتقرّب، هم أهل خواصّ. ولكي يكون الإنسان من هؤلاء، عليه أن يكون لائقًا بما يكفي لينال مقدارًا من العشق والمحبّة، وهو ما أشار إليه الإمام (ع) بأهل الولاية. وهذا يتطلّب نوعًا خاصًّا من الكمالات المعنويّة، يستلزم جهدًا وتعبًا لورود المراتب العليّة، وأن لا يغترّ كلّما اجتاز نوعًا من الكمالات، وأن لا يقنع بما وصل إليه، بل يبقى دائم السعي والسير متزوّدًا بنور الله تعالى وفيضه عليه، وقد وعد الله عباده الساعين بالزيادة كلّما شكروا.

إنّ جُلّ ما يبغي الإنسان الوصول إليه هو أن لا يرى تأثيرًا في الوجود سوى الله تعالى. فالتوفيق للوصول من الله. والرزق من الله، حتّى تلك الأمور الماديّة التي يحتاجها في رحلة الحياة الدنيا، وكلّ الأسباب والمسبّبات تحت سيطرة وإرادة الله، ومن دون إرادته تعالى لا تكون مؤثّرة.

لهذا نقول:

  • اللّهم! امنحني كمال الانقطاع إليك كهبة منك. فكمال الانقطاع هو منتهى الانقطاع عن الخلق والاتصال بالخالق، ورؤية التأثير الإلهي وطلب الحاجات منه، وتساوي وجود وعدم الأسباب والأدوات.
  • وأعطِ قلبي بصيرة تخرق حجب النور الماديّ، فتصل إلى مبدأ النور، ويتعلّق روحها بذلك المبدأ.
  • اللّهم! اجعلني من أولئك الذين تخاطبهم، وتناديهم وهم في المقابل يقولون لبيّك. لا يتردّدون في الإجابة. وليس ذلك فقط، بل هم مفتونون بك لدرجة الصعق من شدّة عظمتك وجلالك. والصعق هو حالة فقدان الوعي، يحصل نتيجة طبيعيّة للعشق اللامتناهي الذي يصبح عليه العاشق.

فيجب علينا أن نرفع من مستوى هممنا، ونكون في الحدّ الأدنى معتقدين بوجود مثل هذه الروابط بين الله وعباده المخلصين، وقد يكون هؤلاء يعيشون بيننا ونحن نجهلهم. فلا نستخفّ بأحد، ولا ننظر بعين الحقارة والاستخفاف إليه، فقد يكون وليًّا من أولياء الله. ولا ينبغي أن نحصر أدعيتنا بالنعم الدنيويّة، بل علينا أن نطلب ما هو أعمق وأرقى من ذلك، تلك النعم الأبديّة الباقية التي لا تنفذ، وأهمّها رضا الله سبحانه والقرب منه، تلك اللذة العقليّة التي لا يمكن لأحد أن يقيس طعهما وحلاوتها إلّا من ذاقها.

ولأنّ علاقة المخلوق بالخالق هي علاقة الذليل بالعزيز. ذليلٌ أعزّه الله بالعبوديّة، وأخرجه من الظلمات إلى النور الفائق للجمال والعظمة والكمال. وهذا الواصل إلى ساحة الله تعالى لا ينفكّ قلقًا خائفًا من أن يفقد هذا العزّ الذي أصبح عليه، فيغدو مراقبًا لنفسه، محاسبًا إيّاها، لأنّه يعلم أنّ كلّ ما لديه من نعم ماديّة ومعنويّة هي على سبيل الاستعارة، وأنّه حين يغترّ بما وصل إليه يسقط، ويفقد كلّ ما تملّكه “إِلهِي فَلَكَ أَسْأَلُ وَ إِلَيْكَ أَبْتَهِلُ وَأَرْغَبُ وَأَسْأَلُكَ أَنْ تُصَلِّيَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَأَنْ تَجْعَلَنِي مِمَّنْ يُدِيمُ ذِكْرَكَ وَلا يَنْقُضُ عَهْدَكَ وَلا يَغْفُلُ عَنْ شُكْرِكَ وَلا يَسْتَخِفُّ بِأَمْرِكَ”

وخُتمت المناجاة كما بدأت بالصلاة على محمّد وآل محمّد لكي يكون كل ما حوى الصلاتين مقبولًا عند الله.

“إِلهِي وَأَلْحِقْنِي بِنُورِ عِزِّكَ الأَبْهَجِ فَأَكُونَ لَكَ عارِفاً وَعَنْ سِواكَ مُنْحَرِفاً وَمِنْكَ خائِفاً مُراقِباً يا ذا الْجَلالِ وَالإِكْرامِ وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ رَسُولِهِ وَآلِهِ الطَّاهِرِينَ وَسَلَّمَ تَسْلِيماً كَثِيراً”.

إنّ المناجاة التي تخرج من قلب العابد لا تبقى طيّ نفسه فقط، إنّما تصل إلى المعبود، يسمعها بكل تفاصيلها، ويستجيب للداعي مهما كانت ذنوبه ومعاصيه. فأصل التفات العبد إلى مناجاة ربّه هو دليل قبوله في ساحة فيضه المقدّسة.

أسأل الله تعالى أن يقبل مناجاتنا ويشملنا برأفته ورحمته وعظيم منّه ومغفرته بحقّ محمدٍ وآله الأطهار.


تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد