www.tasneem-lb.net

الإمام موسى الكاظم(ع)

الإمام موسى الكاظم (ع) - الإمام الكاظم عليه السلام

ديننا
الإمام الكاظم عليه السلام

 
▪️ ظروف تولّي الإمام الكاظم عليه السلام للإمامة:
هذا المقطع الزّماني الممتدّ لـ 35 سنة وهو مرحلة إمامة الإمام موسى بن جعفر عليه السلام، يُعدّ أهم (مقطع) في مسيرة حياة الأئمّة عليهم السلام. ففيه حَكَمَ اثنان من أكثر سلاطين بني العبّاس اقتدارًا - المنصور وهارون - واثنان من أكثرهم تجبّرًا المهديّ والهادي. ولقد تمّ القضاء على الكثير من الثّورات والانتفاضات في خراسان وأفريقيا وجزيرة الموصل والديلم وجرجان والشّام ونصيبين ومصر وآذربايجان وأرمينيا وغيرها من الأقطار وتطويعها. وفي نواحي الشّرق والغرب والشّمال، من النّطاق الإسلاميّ الوسيع، أُضيفت فتوحات جديدة وأموال وغنائم وافرة فزادت من قدرة عرش العبّاسيين واستحكامه.

▪️ لقد وصلت بعض التيّارات الفكريّة والعقائديّة في هذه المرحلة إلى أوجها، وتولّد بعضها وخلق جوًّا فكريًّا مليئًا بالشّبهات، وسلّم الحربة لأصحاب السّلطة، وأضحى هناك آفة في الوعي الإسلامي والسّياسيّ للنّاس، وضُيّقت السّاحة على أعلام مجال المعارف الإسلاميّة الأصيلة وأصحاب الدعوة العلويّة وصُعّب عليهم الأمر.

▪ ️وأصبح الشعر والفنّ والفقه والحديث، و حتّى الزّهد والورع في خدمة أصحاب السّلطة، وأكمل لهم أدوات الهيمنة والتسلّط. 
في هذا العصر، لم يعُد الوضع كما كان عليه في نهاية عصر بني أميّة، ولا كان شبيهًا بالسّنوات العشر الأولى لحكم العبّاسيين، ولا شبيهًا بمرحلة ما بعد هلاك هارون، حيث كان كلٌّ منها يُشكّل تهديدًا للحكومة المتسلّطة في تلك الأزمنة، فأيّ تهديدٍ جدّي، ما كان ليزلزل جهاز الحكومة وما كان ليجعل الحاكم في هذا المقطع الزمنيّ غافلًا عن التيّار العميق والمستمرّ لدعوة أهل البيت عليهم السلام.

▪ ️في هذا العصر، الشّيء الوحيد الّذي كان من الممكن أن يمنح جهاد أهل البيت عليهم السلام وحركتهم الفكريّة والسّياسيّة، هم وأتباعهم، مجالاً للاستمرار والتكامل، هو السعي دون هوادة والجهاد الخطير واعتماد أسلوب التقيّة الإلهية. وبهذا اللحاظ تتضّح العظمة المدهشة لجهاد موسى بن جعفر عليه السلام.

▪ ️يجب أن أقول أنّه عندما قام المحقّقون والمتعمّقون في التّاريخ الإسلاميّ، بتتبّع ودراسة حياة الإمام موسى بن جعفر عليه السلام، فإنّهم لم يُخصّصوا القدر اللازم من الالتفات والانتباه لتلك الحادثة العظيمة والّتي لا نظير لها وهي "مدّة السّجن الطّويلة" لهذا الإمام الهمّام، ولهذا كانت النتيجة أن غفلوا عن جهاده الخطير.

▪ ️وفي سيرة حياة هذا الإمام العالي المقام عليه السلام، فإنّ الحديث عن الوقائع المختلفة وغير المترابطة فيما بينها، والتّأكيد على المقام العلميّ والمعنويّ والمقدّس لسليل النبوّة، ونقل قضايا آل بيته وأصحابه وتلامذته ومناظراته العلميّة والكلاميّة وأمثالها، من دون التوجّه إلى خطّ الجهاد المستمرّ الّذي شمل مدّة إمامته المباركة الممتدّة لـ 35 سنة، كلّ ذلك يبقى ناقصاً وغير تام. فبشرح وتبيين هذا الخطّ، الّذي يربط جميع أجزاء هذه الحياة المليئة بالبركة فيما بينها، وبتقديم صورة واضحة ومتكاملة وهادفة فيها، تتّضح معاني كلّ ظاهرة أو حادثة أو حركة.

▪ ️فلماذا يقول الإمام الصادق عليه السلام للمفضّل: لا تُخبر أحدًا عن أمر إمامة هذا الفتى إلا لمن تثق بهم؟ ولماذا يقول لعبد الرحمن بن الحجّاج تلميحًا لا تصريحًا: هل كان الدّرع على مقاسه؟ ولماذا يُعرّفه على شيعته المقرّبين كصفوان الجمّال بالعلامة والصّفة؟ ولماذا في نهاية الأمر، يذكر في وصيّته اسم ابنه كوصيّ له بعد ذكر أربعة أسماء، أوّلهم المنصور العبّاسي ومن ثمّ حاكم المدينة ومن ثمّ امرأتين، بحيث أنّ جمعًا من كبار الشّيعة لا يعرفون بعد ارتحاله، أنّ خليفته هو هذا الفتى ابن العشرين سنة؟ ولماذا في حديثه مع هارون الّذي خاطبه قائلًا: "خليفتان يجيء إليهما الخراج" يتنكّر ويلاطف، في حين أنّه في بداية خطابه لذلك الرجل الزاهد صاحب الكلمة النافذة المدعوّ حسن بن عبد الله، ينجرّ الحديث إلى معرفة الإمام، ويعرّفه بعنوان الإمام المفترض الطاعة، أي صاحب المقام الّذي كان في ذلك اليوم الخليفة العبّاسي قابضًا عليه؟

▪ ️ولماذا يأمر علي بن يقطين ـ الّذي كان صاحب منصبٍ رفيعٍ في جهاز هارون وهو من محبّي الإمام عليه السلام ـ بالعمل بالتقيّة، لكنّه يوبّخ صفوان الجمّال على خدمته في ذلك الجهاز نفسه ويدعوه إلى قطع علاقته مع الخليفة؟ وكيف وبأيّ وسيلة يوجد تلك العلقة والرابطة على امتداد انتشار الإسلام بين أتباعه وشيعته فتمتدّ تلك الشبكة إلى الصّين؟ لماذا يعزم كلّ من المنصور والمهديّ وهارون والهادي، في مرحلة حكمه، على قتله وحبسه ونفيه؟ لماذا، كما يُعلم من بعض الروايات، يتخفّى الإمام عليه السلام في مدّةٍ من الزمن أثناء هذه الـ 35 سنة، ويلجأ إلى بعض قرى الشام أو مناطق طبرستان فتتمّ ملاحقته من قِبَل خليفة ذلك الزّمان ويوصي أتباعه بالتنكّر له وعدم معرفته فيما لو سألهم الخليفة عنه؟

▪ ️لماذا يقوم هارون في موسم الحجّ بتجليله إلى أعلى حدّ، وفي حجٍّ آخر يأمر بحبسه ونفيه؟ ولماذا يقوم الإمام عليه السلام ببيان حدّ فدك الّذي يشمل كلّ العالم الإسلاميّ المترامي في بداية خلافة هارون، عندما انتهج أسلوب اللين والصّفح وحرّر العلويّين من السّجون إلى الدرجة الّتي كان يُجيبه الخليفة معترضًا: إذًا، قم واجلس مكاني؟ ولماذا يتبدّل سلوك هذا الخليفة الليّن بعد عدّة سنوات إلى الشدّة والعنف حتّى أمر بحبس الإمام عليه السلام، وبعدها بسنوات لم يعد يتحمّل وجوده في السجن فيأمر بقتله بالسمّ وارتكاب تلك الجريمة؟

▪️ هذه ومئات الأحداث الملفتة والمليئة بالمضمون، والّتي بحسب الظاهر غير مترابطة ومتناقضة أحيانًا فيما بينها، تصبح في حياة موسى بن جعفر عليه السلام، ذات معنى وارتباط عندما نشاهد تلك السّلسلة المستمرّة منذ بداية إمامته وإلى لحظة شهادته.
وهذه السّلسلة هي خطّ جهاد ومواجهة الأئمّة عليهم السلام، والّذي استمرّ طيلة 250 سنة وبأشكالٍ مختلفة وكان الهدف منه، 
أوّلًا: تبيين الإسلام الأصيل والتّفسير الصحيح للقرآن وتقديم صورة واضحة عن المعالم الإسلاميّة، 
وثانياً: تبيين قضيّة الإمامة والحاكميّة السّياسيّة في المجتمع الإسلامي، 
وثالثًا: السّعي من أجل تشكيل ذلك المجتمع وتحقيق هدف نبيّ الإسلام المعظّم وجميع الأنبياء، أي إقامة القسط والعدل وعزل أنداد الله عن ساحة الحكومة وإيداع زمام إدارة الحياة إلى خلفاء الله وعباده الصالحين.
▪️عظم الله أجوركم▪️
من كتاب إنسان بعمر 250 سنة


تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد