www.tasneem-lb.net

عقيدة

عقيدة - البيّنة في الدين |الجزء الثالث|

ديننا
البيّنة في الدين
|الجزء الثالث|

قاعدة البيّنة على المدّعي واليمين على من أنكر
من أهم خصائص النظام القضائي في الإسلام، أن القضاء وظيفة شرعية إلزامية يجب على القاضي القيام بها، كبقية الوظائف الشرعية الأخرى. بمعنى أن مهمة القضاء مهمة كفائية إذا قام بها البعض سقطت عن الكل، وإن تقاعس الجميع أثموا جميعاً. والأصل في القضاء هو إحقاق الحق، تعويضاً كان أو ردعاً. وقد أجمع فقهاء الإمامية على أن لله في كل واقعة حكماً ثابتاً، لقوله عليه السلام: "ما من شيء إلا وفيه كتاب وسنة "، وأن الله تعالى أنزل في القرآن تبيان كل شيء، حتى والله ما ترك شيئاً يحتاج إليه العباد، فلا يستطيع عبد أن يقول: لو كان هذا أنزل في القرآن".

في اللغة معنى القضاء هو الحكم، ومنه قوله تعالى: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ﴾ الإسراء: 23.
 
وفي الاصطلاح هو ولاية الحكم شرعاً لمن له الفتوى.(1) والأصل فيه كتاب الله، وبالخصوص قوله تعالى: ﴿ يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ﴾ ص: 26.

وفي السنة أنه صلى الله عليه وآله وسلم بعث علياً عليه السلام قاضياً إلى اليمن،(2) وبعث علي عليه السلام عبدالله بن العباس قاضياً إلى البصرة.(3)

من أهم خصائص النظام القضائي الإسلامي مسألة قاعدة البيّنة على المدّعي واليمين على من أنكر.

اليمين الشرعية على المنكر وسيلة مهمة من وسائل القضاء في الإسلام، لقوله (صلى الله عليه وآله):"البينة على من ادعى، واليمين على من ادعي عليه".(4) ويشترط فيها صيغة اليمين المقتصرة على اسم الجلالة، واذن الحاكم، وموضوع اليمين وهو الحق المحلوف من أجله. ويشترط في الحالف: العقل، والبلوغ، والاختيار، وحق الاسقاط، والتبرع. والأصل أن الحاكم وليٌ عن المنكر (المدعى عليه)، فإن امتنع عن أداء الحق، وهو حلف اليمين أو النكول، قهره عليه الحاكم لصالح المدّعي.

وقد ورد إطلاق معنى الحلف في القرآن الكريم. كما في قوله تعالى: ﴿وَسَيَحْلِفُونَ بِاللّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ﴾التوبة: 42، ﴿مَّا هُم مِّنكُمْ وَلَا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾المجادلة: 14. ولكن السنة الشريفة خصصت معنى اليمين الشرعية في القضاء.
(النظرية الاجتماعية في القرآن الكريم/ د: زهير الاعرجي، أمير_قم، ص258-271).

المراد من القاعدة هو إعطاء الضابط الأساسي للمحاكمة بين المتخاصمين، وسميت بهذا الاسم، لأن الطرفين عند التخاصم على الأغلب عبارة عن المدّعي "من يدعي شيئاً على الآخر" والمنكر "من أنكر إدعاء الطرف"، فإذا تحقق الترافع بينهما فللحاكم الشرعي أن يطالب من المدّعي إثبات ما ادعاه بواسطة إحضار الشهود البيّنة، وللحاكم أيضاً أن يطالب من المنكر الحلف بعد عدم إثبات الدعوى من قبل المدّعي.

ومحصلها: إقامة البيّنة على من إدعى شيئاً من الأموال والحقوق على الآخر عند المحاكمة، والحلف على من أنكر إدعاء المدّعي. ولا يخفى أن المراد من المدّعي والمنكر هو المعنى اللغوي وليس لهما معنى شرعي خاص بنحو الحقيقة الشرعية.

المدرك: يمكن الاستدلال على اعتبار القاعدة بما يلي:
الروايات: وهي النصوص الواردة في باب القضاء وعدتها كثيرة جداً. منها:
- النبوي المشهور بين الفريقين "البيّنة على المدّعي واليمين على من أنكر". فهذه العبارة هي القاعدة نفسها.
- صحيحة هشام عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: "البيّنة على من إدعى واليمين على من ادعي عليه". وهي تدل على أن البيّنة تكون على المدّعي واليمين على المنكر في مقام المحاكمة.

التسالم: قد تحقق التسالم على مدلول القاعدة ولا خلاف فيه بين الفريقين فالأمر متسالم عليه عند الجميع. قد يقال بورود التخصيص بالنسبة إلى مدلول القاعدة في موارد متعددة مثل سماع قول المدّعي بلا معارض، وقول ذي اليد، وإدعاء الأمين تلف الأمانة، وغيرها.

والتحقيق: أن هذه الموارد جميعها من باب التخصص لا التخصيص، لأن في بعض هذه الموارد ليس الحكم من باب المحاكمة، وفي بعض الآخر كان الأمر مقروناً بالحجة، كما قال المحقق العراقي رحمه الله: أن ظاهر كلماتهم سماع الدعوى في كثير من المقامات بيمينه والظاهر أن ذلك ليس من جهة سماع اليمين من المدّعي كي يستلزم تخصيص أدلة الوظائف بل عمدة الوجه أن سماع قول المدعي في هذه المقامات بعد ما كان في نفسه حجة، فصارت دعواه مقرونة بالحجة نظير دعوى ذي اليد. ولا يخفى أن الأمر على هذا النمط في غير مسألة الدماء.

فروع الأول: قال الإمام الخميني قدس سره: ليس للحاكم إحلاف المنكر إلا بالتماس المدّعي وليس للمنكر التبرع بالحلف قبل إلتماسه فلو تبرع هو أو لم يأذن الحاكم لم يعتد بتلك اليمين، ولا بد من الاعادة بعد السؤال وكذا ليس للمدّعي إحلافه بدون إذن الحاكم، فلو أحلفه لم يعتد به.

الثاني: قال الإمام الخميني قدس سره: لو لم يكن للمدّعي بيّنة واستحلف المنكر فحلف سقطت دعوى المدّعي في ظاهر الشرع فليس له بعد الحلف مطالبة حقه، ولا مقاصة، ولا رفع الدعوى إلى الحاكم، ولا تسمع دعواه.

الثالث: قال سيدنا الاستاذ: لا تثبت الدعوى في الحدود إلا بالبيّنة أو الإقرار، ولا يتوجه اليمين فيها على المنكر.
(القواعد الفقهية/ العلامة مصطفوي)

هوامش:
(1) التنقيع الرائع للسيوري الحلي ج4 ص 230.
(2) المبسوط للشيخ الطوسي ج 8 ص 82.
(3) المبسوط ج 8 ص 85.
(4) التهذيب ج 6 ص 229.
(موقع المعارف الإسلامية الثقافية/ بتصرف)


تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد