عقيدة - الصّبر والحكمة الإلهيّة
الصّبر والحكمة الإلهيّة
حينما نمرّ ببلاء ما، ما الّذي نحتاجه إلا الصبر؟
وما هو مفهوم الصبر في أذهاننا؟
إذا ما تأملنا في مجتمعاتنا نرى حالات كثيرة من الصمت والاستسلام بين الناس، فهل هذا يعني الصبر؟
-ما هو الصبر؟
-ممن يستمدّ الإنسان القوّة حتى يُصنّف أنّه من الصابرين؟
-ما هي الشروط التي تجعل هذه الصفة فرصة للتّقرب من الله تعالى؟
عن أبي بصير سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول:
(إن الحرّ حرٌّ على جميع أحواله، إن نابته نائبة صبر لها، وإن تداكّت عليه المصائب لم تكسره، وإن أسر وقهر واستبدل باليسر عسرًا ،كما كان يوسف الصّدّيق الأمين (صلوات الله عليه) لم يضرر حريته أن استعبد وقهر وأسر، ولم تضرره ظلمة الجب ووحشته، وما ناله أن منّ الله عليه فجعل الجبّار العاتي له عبدًا بعد إذ كان له مالكًا، فأرسله ورحم به أمّة وكذلك الصبر يعقب خيرًا، فاصبروا ووطّنوا أنفسكم على الصبر توجروا)، الكافي ج٢ص ٨٩.
من هذا الحديث الجميل الذي يقيس حياتنا بحياة نبي الله يوسف (عليه السلام) نستفيد منه المعاني الآتية:
- ليس سهلاً على الإنسان أن يكون أعداؤه والمتآمرون عليه هم أخوته، بحيث لم يكن الخلاف على تلاسن أو ميراث، بل إنّهم حاولوا قتله، ليتخلصوا منه نهائياً في غياهب الجب .
- ليس سهلاً أن يُتهم الإنسان بشرفه وعفّته، وبخاصة إذا كان نبي الله يوسف.
- كل تجارب حياة النبي يوسف (عليه السلام) كانت محفوفة بالبلاءات، سواءً من الجب إلى السجن، وما تخلّلها من افتراءات واتهامات باطلة.
- كان النبي يوسف (عليه السلام) يمرّ على البلاء متسلّحاً بالصبر الحقيقي، فهو لم يتذمّر ولم يشتكِ، لأنه يرتبط بالله تعالى ارتباطًا حقيقيًا.
( الحرّ حرٌّ في جميع أحواله)
أن يكون الإنسان صابرًا يعني أنّه يجب أن يكون حرًا، ونحن نعلم أن الإنسان لا يكون حرًا إلا إذا كان عبدًا حقيقيًا لله تعالى، يطيعه ويعبده، لذلك كان أعظم الناس صبرًا هم أكثرهم قربًا من الله، كالأنبياء والأئمّة والأولياء صلوات الله عليهم أجمعين.
فالصّبر الحقيقي هو معرفة الهدف من الوجود، والذي هو لقاء الله تعالى، فنتسلّح بالتقوى التي تثمر الخشية من الله سبحانه، وتجعلنا نواجه كل البلاءات بقلب مطمئنٍ ونفس راضية، بأن الله هو المدبّر الحكيم، الذي ينبّهنا إلى أهمية معرفته ولقائه، وهو القادر على رفع البلاء؛ فننتقل من غياهب جبّ الغفلة إلى أن نغدوَ أعزّاء بعزته، كما صار عزيز مصر على خزائن الأرض في الدنيا، وغاية مناه لقاء الله، كما ورد في كتاب الله عن لسان يوسف (عليه السلام):
(رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ ۚ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۖ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ) يوسف ١٠١ .