عاشوراء - أسباب تفجير الثورة الحسينية الكبرى |4| حكومة معاوية وسياسته |3|
ديننا
أسباب تفجير الثورة الحسينية الكبرى
|4|
حكومة معاوية وسياسته
|3|
التخدير باسم الدين وشل الروح الثورية:
المأخذ الدائم الذي يؤخذ على الأمويين هو أنهم كانوا أصولاً وفروعاً أخطر أعداء النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأنهم أعتنقوا الإسلام في آخر ساعة مرغمين، ثم أفلحوا في أن يحولوا إلى أنفسهم ثمرة حكم الدين أولاً بضعف عثمان، ثم بحسن استخدام نتائج قتله. هذا وأصلهم يفقدهم مزية زعامة أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم. ومن المحن التي يلي حكم الدين أنهم أصبحوا قائمين عليه مع أنهم كانوا وما فتئوا مغتصبين لسلطانه، وقوتهم في جيشهم الذي هو على قدم الإستعداد في الشام، ولكن قوتهم لا يمكن أن تصبح حقاً.
بهذه المشاعر ونظائرها واجه المسلمون الحكم الأموي، وقد أراد معاوية أن يتغلب على هذا الشعور العام بسلاح الدين نفسه، كما أراد التوصل إلى تحطيم ما لأعدائه من سلطان روحي على المسلمين عن هذا الطريق أيضاً. وقد برع في هذا الميدان كل البراعة، وواتته الظروف عليه فبلغ منه أقصى ما يرجو.
وقد حفظ لنا التاريخ بعض الأسماء البارزة من أعوان معاوية في هذا اللون من النشاط. قال ابن أبي الحديد: "ذكر شيخنا أبو جعفر الإسكافي أن معاوية وضع قوماً من الصحابة وقوماً من التابعين على رواية أخبار قبيحة في علي عليه السلام تقتضي الطعن فيه والبراءة منه، وجعل لهم على ذلك جعلاً يرغب في مثله فاختلقوا ما أرضاه. منهم أبو هريرة، وعمرو بن العاص، والمغيرة بن شعبة، ومن التابعين عروة ابن الزبير".
وقد استغل معاوية هؤلاء الأشخاص في سبيل إيجاد تبرير ديني لسلطان بني أمية، أو على الأقل كبح الجماهير عن الثورة برداع داخلي هو الدين نفسه، يعمل مع الروادع الخارجية: التجويع، والإرهاب، والإنشقاق القبلي، هذا بالإضافة إلى مهمة أساسية أخرى ألقاها معاوية على عاتق هؤلاء الأشخاص وهي اختلاق "الأحاديث" التي تتضمن الطعن في علي وأهل بيته عليهم السلام ونسبتها إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم. و"أحاديث" تمدح وتمجد بني أمية وعلى الأخص عثمان ومعاوية وتجعلهم في مرتبة القديسين. كهذا الذي رواه أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إن الله ائتمن على وحيه ثلاثاً: أنا، وجبرائيل، ومعاوية".
ومنها ما يحذر المسلمين من الثورة، ويزين لهم الرضوخ ويوهمهم أن الثورة على الظلم والسعي نحو إقامة نظام عادل عمل يخالف الدين.
هذا لون من ألوان التضليل الديني الذي ابتدعه الأمويون لتثبت ملكهم. وهنا لون آخر من ألوان التضليل الديني استخدموه وبرعوا في استخدامه، وهو تأسيس الفرق الدينية السياسية التي تقدم للجماهير تفسيرات دينية تخدم سلطة الأمويين وتبرر أعمالهم. ومن الأمثلة البارزة في هذا الميدان فرقة المرجئة التي اعتبرت الإيمان عملاً قلبياً خالصاً لا يحتاج إلى التعبير عنه بفعل من الأفعال، فيكفي الإنسان أن يكون مؤمناً بقلبه ليعصمه الإسلام، ويحرم الإعتداء عليه، وهم ينادون: "لا تضر مع الإيمان معصية كما لا تنفع مع الكفر طاعة".
والنتيجة المنطقية لهذا اللون من التفكير هي أن الأمويين مؤمنون مهما ارتكبوا من الكبائر. وقد كان المرجئة يبشرون بهذه الأفكار بين صفوف الأمة المسلمة لأجل تخديرها وصرفها عن الإستجابة لدعاة الثورة على الأمويين.
كما وأنهم تمسكوا بعقيدة الجبر، فهذه هي العقيدة التي تلائمهم في الميدان السياسي لأنها توحي إلى الناس بأن وجود الأمويين وتصرفاتهم مهما كانت شاذة وظالمة ليست سوى قدر مرسوم من الله لا يمكن تغييره ولا تبديله، فلا جدوى من الثورة عليه. وها هو معاوية يتظاهر بالجبر والإرجاء لأجل تبرير أفعاله أمام الملأ بأنها مقدورة لا سبيل إلى تبديلها، مع كونها في الوقت نفسه غير قادحة فيه باعتباره حاكماً دينياً.
ومنذ بدأ الحكام المسلمون يناوئون النزعة الإنسانية في الإسلام ليحولوه إلى مؤسسة تخدم مآرب فئة خاصة بدأ علي وأبناؤه وأصحابهم يدافعون عن الإسلام ويردون عنه شر من يريد تحريفه وتزويره.
كان هذا هو عمل عليّ عليه السلام طيلة حياته حتى إذا استشهد خلفه في الصراع ابنه الحسن عليه السلام، وقضت عليه ظروف المجتمع الإسلامي الإجتماعية والنفسية أن تهيئ هذا المجتمع للثورة على الحكم الأموي. حتى استشهد وبقي الحسين عليه السلام وحيداً.
وهذا الواقع الكالح وضع الإمام الحسين عليه السلام وجهاً لوجه أمام دوره التاريخي ورسالته النضالية، هذا الدور الذي يفرض عليه أن يثور، وأن يعبر بثورته عن شعور الملايين وأن يهز بثورته هذه الملايين نفسها، ويضرب لها المثل والقدوة في حرب الظالمين.
(من موقع المعارف الإسلامية الثقافية الالكترونية/ بتصرف).
انتظرونا.
يتبع..